الخميس - 25 أبريل 2024
الخميس - 25 أبريل 2024

أمة الأخلاق

في ظلال شهر رمضان الكريم الذي أنعم الله تعالى علينا ببلوغه وإدراكه، وهي نعمة تستوجب الحمد والشكر، جدير بنا أن نطوف بغاية الرسالة المحمدية التي لخصها النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: «إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق»، فبيّن رسولنا صلى الله عليه وسلم أن إتمام مكارم الأخلاق هو غاية رسالته التي جعلها الله تعالى الرسالة الخاتمة المهداة للعالمين رحمة بهم ورأفة وخوفاً وصوناً، فجاء القرآن الكريم في معظم آياته الجليلة بين معارف يجب على الناس أن يدركوا حقيقتها وبين أخلاق يجب عليهم أن يتخلّقوا بها وأن يتصفوا بحقيقتها وينشروا قيمها ومبادئها في أرجاء المعمورة. وإن المتأمل للعبادات في الإسلام لمدرك ما قاله العلماء من أن الأخلاق هي غاية العبادات، فالصلاة كما قال الله تعالى: «وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ»، وتأتي الزكاة تطهيراً للنفوس وتزكية لا جباية، يقول تعالى: «خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا»، والحج ليس رحلة فقط إلى المشاعر المقدسة بل هو رحلة قبلها إلى المعاني السامية والأخلاق الحميدة، يقول تعالى:«الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ»، وبيّن الرسول صلى الله عليه وسلم ذلك بقوله: «مَنْ حَجَّ لِلَّهِ فَلَمْ يَرْفُثْ، وَلَمْ يَفْسُقْ، رَجَعَ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ». وعبادة الصيام التي جعل الله تعالى التقوى غايتها هي صورة جلية لمعاني الأخلاق وليس أدل على ذلك من قول النبي صلى الله عليه وسلم «إِذَا كَانَ يَوْمُ صَوْمِ أَحَدِكُمْ فَلاَ يَرْفُثْ وَلاَ يَصْخَبْ، فَإِنْ سَابَّهُ أَحَدٌ أَوْ قَاتَلَهُ، فَلْيَقُلْ إِنِّي امْرُؤٌ صَائِمٌ»، وغير ذلك كثير مما بيّنه القرآن العظيم والسنة النبوية الشريفة، ولو تأملنا معنى الأخلاق لغة: «الدِينُ والطبعُ والسَجِيَّةُ» وفي اصطلاح العلماء: «ملكة تصدر بها عن النفس الأفعال بسهولة من غير تقدّم فكر وروية وتكلّف».

وإذا كان الخلق بفتح الخاء هو صورة الإنسان الظاهرة، فإن الخُلُقَ بالضم صورته الباطنة التي يجب عليه أن يعمل على تحسينها وتجويدها وصقلها، كما يعمل على تحسين منظره الخارجي، لاسيما أن الناظر لها هو الله تعالى قبل البشر، وقد أكد رسولنا صلى الله عليه وسلم ذلك في الحديث: «إِنَّ اللهَ لَا يَنْظُرُ إِلَى صُوَرِكُمْ وَأَمْوَالِكُمْ، وَلَكِنْ يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ وَأَعْمَالِكُمْ».