الخميس - 25 أبريل 2024
الخميس - 25 أبريل 2024

ثقافة الابتكار

الابتكار ليس ترفاً، بل حاجة ملحّة وضرورية في كل وقت وزمان، كما أن المبتكر ليس شخصاً يتمتع بوقت فراغ طويل أو ذكاء خارق فيتمكّن من إتيان ما لم يقدر عليه أقرانه، إنما كل ما فعله ببساطة هو تأمّل التفاصيل المحيطة ثم ربط عناصر مختلفة ببعضها، استناداً إلى تجارب سابقة أو ربّما بمحض المخيّلة، وبهذا قدّم شيئاً يخدم مجالاً ما بشكلٍ غير مسبوق.

الابتكار إذاً ما هو إلا إعادة طرح ما هو موجودٌ أصلاً إنما بشكل جديد، والجديد هذا يتّسم بالديناميكية، أي أنه مفهوم متغيّر وليس ثابتاً، وتبعاً لهذا التصوّر نستطيع القول: إن هناك عاملين يشكّلان الابتكار، الأول: العناصر الموجودة أمامنا، والتي تنتظر الدمج فتتفاعل مكوّنةً شيئاً جديداً، والثاني: السبق في تقديم هذا الشيء قبل الآخرين.

ويحدث أن ننظر بانبهار أحياناً إلى الغرب، الذي يقدّم حزمة ابتكارات كثيرة ومنوّعة في كل المجالات، فنستذكر بشيء من الحسرة على أمجاد حضارتنا العربية التي كانت أساس تقدّم بقية الحضارات، وهذه «النوستالجيا» قد تولّد في النفس شيئاً من الانهزامية والتواكل، ولا يشفيها إلا مثابرة أصيلة لإحياء هذا المجد، وبما أن المثابرة مرتبطة بالعزيمة أكثر من الموهبة، فالجميع لديه فرصة متساوية ليبتكر شيئاً جديداً.


وعلى الرغم من وجود العقول والإمكانات في أوطاننا العربية، إلا أن التقدّم في بعض المجالات قد لا يكون مؤثراً، وقد يكون من النافع إلقاء نظرة فاحصة على البيئات المحيطة بالعقول، هل هي طاردة أم جاذبة؟ فأحياناً، وعوضاً عن انشغال العقول «مع» بعضها لابتكار شيء جديد، تنحرف عن مسارها - لسبب أو لآخر - وتنشغل «على» بعضها، فتتحول المعادلة من ابتكار في البناء إلى ابتكار في الهدم، في سياسة تشبه إلى حدٍّ كبير «فرّق تسد».


والتفرقة ليست الوسيلة، والسيادة ليست المُبتغى، كما أن السيادة يجب ألا ترتبط بالشخوص والأهواء بل بالعقول والأفكار، والعقل عليه أن يكون إنسانياً في منهجه فإذا ارتقت الإنسانية ارتقى المجتمع.

تؤمن قيادتنا الرشيدة في دولة الإمارات بضرورة غرس ثقافة الابتكار لدى الأفراد، وإحاطتهم بالطاقة الإيجابية المحفّزة للإبداع، ويبقى ربّما أن نرصد مقوّمات وآثار تجاربنا بالأبحاث العلمية للتعرّف إلى ملامح البيئة المثالية، التي تضمن ازدهار الابتكار، بهدف تصدير تجاربنا الناجحة والبناء عليها، ما يسهم في ترسيخ هذه الثقافة واستدامتها.