الجمعة - 19 أبريل 2024
الجمعة - 19 أبريل 2024

بيننا 22 (شروتي)

يعتبر الهنود أكثر شعوب الأرض حرصاً على الموسيقى حد التمجيد، فمنذ القدم احترموا ألحانها حد التقديس، حيث أدخلوها في مراسم عباداتهم، باختلاف أديانهم ومعبوداتهم، ولا يزالون إلى اليوم يحتفلون دينياً بالرقص والأنغام، ويعبرون عن مشاعرهم من خلالها بلا أي كلام، سواء كانت لأمورٍ محزنة أم مفرحة، مداوية أم مُجرِّحة، كما استخدموها في الأعراس والاستقبالات ولتتويج الملوك، وتدشين القصور والحروب ولتقييم السلوك، ولهذا يرى المهتمون بالتراث الهندي وجود الكثير من الكتب الموسيقية، أي المملوءة بالأناشيد والمنظومات الشعرية، والروايات والحكايات والمقولات القصصية، بكلماتٍ مُلحنة بأجمل معاني الألحان، لتنال نصيب الأسد من الاهتمام والإتقان، في ذلك المكان وإلى هذا الزمان.
من الطبيعي أن تتأثر البلدان المجاورة للهند، بمدى الجمال في موسيقاها، مثل بلاد فارس وتركستان، وكذلك الأكراد والأفغان، فما يميز النغمة الهندية عن نغمات الكرة الأرضية، هو سلمها المميز الذي يحتوي على بعض المسافات الصوتية، التي تختلف عن جميع السلالم العالمية، حيث كانت (دو، ري، مي، فا، صول، لا، سي) تسمى عندهم (سا، ري، كا، ما، با، دها، ني) إلاّ أن أبعاد الصوت تتفاوت كثيراً عن السلم الأوروبي ونظيره العربي المعروف، برغم وجود التجاذب في النوتات وفقاً للظروف، فقد تتعرض إلى الزيادة أو النقصان بين الصعود والهبوط، لكن دون اللجوء إلى التغيير الجذري أو التعدي على الخطوط، وتأكيداً على ذلك تم تقسيم سلمهم إلى 22 مسافة صوتية، لا تتشابه البتة مع المسافات الغربية أو الشرقية، ثم أطلقوا عليها اسم (شروتي)، بمعنى أصغر فاصل صوتي، اكتشفته الأذن البشرية، تماماً كما عرّفته النصوص القديمة السنسكريتية.
قد لا يتفهم الكثيرون مذاق هذا النوع من الثقافات، بسبب البعد الهائل في هذه الاختلافات، بعيداً عن تلك الأفكار الرجعية والآفات، وتفاهة العنصرية والسخافات!.