الجمعة - 29 مارس 2024
الجمعة - 29 مارس 2024

رمضان.. ونبذ الحروب

كان الثامن من شهر مايو الجاري مناسبة للاحتفال السنوي بنهاية الحرب العالمية الثانية في أوروبا، وجرى هذه المرّة أمام النصب التذكاري المقام في قريتي الفرنسية، ولكل عائلة من عائلات تلك القرية شاب واحد أو أكثر لقي حتفه في الخنادق أثناء تلك الحرب.

وتحمل العديد من شوارعنا أسماء المحاربين المحليين، الذين قاتلوا في سبيل الحرية وضحّوا بأرواحهم في مقاومة الاحتلال النازي، وما تبقى من الجنود الأحياء آثروا السير وراء علم فرنسا، ولكنّهم أُقحموا وهم في العشرينات من أعمارهم في الحرب الاستعمارية البشعة ضد مقاتلي جيش التحرير الوطني الجزائري، المدافعين بدورهم عن حريتهم.

ووقفنا في مقبرة القرية أمام قبور طاقم طائرة قاذفة بريطانية أسقطتها دفاعات الحامية الألمانية عام 1944، وكان القتلى من جنسيات بريطانية وأسترالية وكندية ونيوزيلاندية.


وعلى مسافة قريبة من قبورهم، تنتصب الشواهد التذكارية للجنود الألمان الذين سقطوا عام 1870خلال الحرب الفرنسيّة ـ البروسيّة (بروسيا هو الاسم الذي كان يطلق على ألمانيا قبل الحرب العالمية الأولى).


ومن المعروف أن كل بلدان العالم تمجّد مقابر أبطالها، الذين قضوا نتيجة أخطاء الماضي (الحروب)، ولكنّنا نعيش الآن زمن السلام، فما الذي صنعناه لتكريسه وترسيخه في العالم؟.

وبالعودة التاريخية إلى عصورنا الوسطى، فلقد كانت هناك فترات متقطّعة تتوقف فيها الحروب تماماً، وكانت تُدعى «سلام الربّ»، وشهر رمضان المجيد هو أيضاً وقت للسلام ونبذ الحروب، ولكن أي سلام، وبأي ثمن؟.

فمثلاً، بالرغم من المساعدات الإنسانية التي تتدفق على غزّة، إلا أن شعبها لا يزال يعاني من أوضاع إنسانية لا يمكن تحمّلها، ومن مصير لا يمكن التنبؤ به، ويضاف إلى ذلك أن المساعدات المالية لن تساعد إلا على التخفيف المؤقت من معاناة لا نهاية لها لمواطني غزّة.. فمن الذي سيعيد لهم نعمة التعبير الحرّ عن اختيارهم لقادتهم واستعادة قدرتهم على تقرير مصيرهم بأنفسهم؟.

ألا يدفعنا الأمر للتساؤل عما إذا كان هناك احتلال يغطي احتلالاً آخر، خاصة عندما نسمع بأن الأزمة الراهنة تم تفجيرها في هذا الوقت بالذات من أجل تشويه صورة إسرائيل فحسب، قبل بضعة أيام من استضافتها لبرنامج «يوروفيجن» التلفزيوني الغنائي لعام 2019؟.

ويمكن للمرء أن يشعر بالحيرة والاستغراب عندما يسمع أن إسرائيل تطالب بالانضمام إلى أوروبا!، ويمكن لهذا التجاهل المتعمّد للجغرافيا والتاريخ أن يخبرنا بالكثير عن تفاصيل الخطة، التي تمتد جذورها إلى بدايات قيام الحركة الصهيونية. ولكن، هل يعتبر هذا السبب الواهي كافياً للتضحية بشبّان وعائلات كاملة في غزة خلال الفترة الماضية عبر قيام إسرائيل بهجومها الانتقامي غير المتوازن؟.. في غزّة، هناك دائماً ذوو الطوالع السيئة والحظوظ العاثرة من الفقراء، الذين كُتبت عليهم أبشع مظاهر القهر والمعاناة في شهر رمضان أو في أي شهر آخر.

وفي هذه الأوقات التي تتطلب منّا المزيد من التضامن ومدّ يد العون والمساعدة، دعونا نصلّي حتى يحلّ السلام في القريب العاجل.