الجمعة - 29 مارس 2024
الجمعة - 29 مارس 2024

«المتوسط».. حلم الجميع

إنّه أكثر من مجرد بحر جغرافي يملك أهمية استراتيجية وسياسية واقتصادية وسياحية ولوجستية فريدة.. إنّه رمز فكري وثقافي وتاريخي اختزل في مياهه حقباً من التاريخ ومن صراع الحضارات والإمبراطوريات والثقافات؛ البحر الأبيض المتوسط، الذي يحلم الجميع بحجز مكان لهم في مياهه لأنّهم ساعتها سيكونون في قلب صناعة الحدث يملكون ورقة من أهم أوراق اللعبة الدولية.

هذا البحر تقاسمت ضفتاه حكم العالم والسيطرة عليه، وقسّم العالم إلى شرق وغرب.. الأوروبيون كانوا يعتبرونه ـ ولا يزالون ـ مانعاً جغرافياً، حماهم من هجوم وتدفق الحضارات والثقافات الشرقية عليهم أحياناً وعلى رأسها الإسلامية.

المسلمون، ومنذ إنشاء دولتهم، أدركوا أن لا سيطرة على العالم ولا مسك لخيوط الصراع إلاّ بامتلاكه، وقد كان ذلك مبكراً في عصر الأمويين حين كانوا يسمونه حينها بحر الروم، فصنعوا أسطولهم الذي سيطر عليه قروناً كثيرة.


الولايات المتحدة الأمريكية، وبعد بروز قوتها الدولية، قامت بأول عملياتها العسكرية الخارجية فيه، وقد كان ذلك كما ذكر ما بين عامي (1801- 1805) مع محمية طرابلس في ساحل شمال أفريقيا الغربي، وكانت تابعة للخلافة العثمانية وسميت أحياناً الحرب الطرابلسية وقد انهزمت أمريكا في هذه الحرب.


الروس اليوم يحلمون، بالوصول إليه، إلى المياه الدافئة كما تسمى أحياناً وذلك بعدة طرق، بربطه بالبحر الأسود عبر تركيا أو بالتمركز في الساحل السوري كما هو حاصل الآن.

الصينيون كذلك معنيون بالوصول إليه، وقد اختاروا طريقتهم في ذلك عبر المشروع المعروف بطريق الحرير (الحزام والطريق).. والإيرانيون يحاولون بكل قوة الوصول إليه، وذلك عن طريق محور إيران العراق سوريا.

الأهمية الشاملة له لا تعد ولا تحصى وعلى كل الصعد، ولا أدل على ذلك مثلاً من التنافس الشديد الحاصل اليوم بين دوله على ملف الغاز والطاقة، وقد جرت محاولات لربطه بغيره من البحار والخلجان عبر قنوات ومشاريع، مثل ربطه قديماً بالبحر الأحمر عبر قناة السويس، والآن بالبحر الميت والبحر الأسود، وحتى بالخليج العربي.

الأمر واضح، من أمّن له وجوداً على المتوسط استطاع أن يحجز مكاناً مهماً في الصراع، ومن امتلك شيئاً من موارده دخل اللعبة الدولية بقوة، أمّا من استطاع السيطرة عليه فله إحدى الأيدي العليا في إدارة المنطقة والعالم.. إنّه حلم الجميع بلا منازع.