السبت - 20 أبريل 2024
السبت - 20 أبريل 2024

هويَّات على المقاس

لا تنشأ أنواع التطرف والضغائن إلا في المناخات المريضة، أو التوعكات المجتمعية الدورية أو الطارئة، ولا تجد لها مكاناً تعبيرياً مقنعاً في الحالات الصحية الطبيعية، وعي الناس الجمعي يمنعها من الظهور بشكل معلن.

أن تكون فيلسوفاً معناه أن تكون مدركاً لجوهر الأشياء ولا تكتفي بقشرة المظاهر، وأن تتفادى السقوط في الكليشيهات الجاهزة.

في هذا المناخ المأْزوم، جاءت كتابات وسجالات الفيلسوف الفرنسي اليهودي، ألآن فلكونكراوت لتصب الزيت على النار، من خلال قوالب تحمّل الآخر الغريب عن الجسد الفرنسي، اليهودي الكاثوليكي، بحسب تعبيره، كل ويلات الدنيا لدرجة أن نتساءل: أين جزء الفيلسوف المناهض للظلم والتفرقة العنصرية، والباحث عن سعادة الإنسان بعدما تعرفنا على موقفه الأيديولوجي؟، الذي كثيراً ما وضعه في أفق العنصرية والعرقية البغيضة إذ جعل من الحركات المناهضة للعنصرية عدوه الأول والأساسي.


ونسي أو تناسى الفيلسوف فلكونكراوت أنه هو أيضاً كان ثمرة لفرنسا أخرى متفتحة وإنسانية، غير تلك التي كان يريد تصنيعها: فرنسا المنغلقة على ذاتها.


كتب فلكونكراوت الهوية الشقيّة الذي درسته في جامعة السوربون لطلبة الماستر رفقة كتب أخرى عن الهوية، التي تقف على الطرف النقيض من كتابه، في سجالية ثقافية وتاريخية سجنت الهوية في مفاهيم دينية ضيقة، وحولتها إلى وسائل لتفكيك المجتمع الفرنسي من داخله، فقد ردّ كل مآسي فرنسا وأزماتها الاقتصادية، إلى الهجرة، ونسي أنه كان إحدى ثمراتها، وأكد أن فكرة العيش معاً انتهت، ولم تعد ممكنة.

الجميل في فرنسا أن هناك نخبة حية لا تقبل أن تمر الأشياء الخطيرة بلا توقف ولا سجال، على العكس مما هو عندنا، إذ كثيراً ما تنتهي معاركنا الثقافية بالتخوين والشتائم والإقصاءات، واعتبار كل من لا يسير في طريقنا ونهجنا إنساناً ضعف التفكير، بل كثيراً ما تعقد الجلسات لتعريته اعتماداً على النميمة وضعف البصيرة.

ردة الفعل الثقافية الفرنسية جاءت قوية ضد كتاب: الهوية الشقية l'identité malheureuse، وانتقدته بالبرهان والحجة الدامغة، فمثلاً في العدد 179 من مجلة نقاش (مارس أبريل 2014) رد الكاتب بيير نورا على الفيلسوف آلان فلكونكراوت وحمّله الخطأ الفادح في اعتبار الهجرة أم المآسي، مؤكداً أن الهوية الفرنسية، ستكون شقية حتى لو لم يكن في فرنسا مهاجر واحد، لأن أزمة الهوية بنيوية، وأن فلكونكراوت يقدم أجوبة سيئة لأسئلة أسوأ. بينما أكدت مجلة تليراما الفنية أن مشكلة أوشويتز بدأت بجهنم الهويات الوطنية المتطرفة والعنصرية.

ولم يغب عن جريدة لوموند: آلان فلكونكراوت يلعب بالنار، جون بيرينبوم (23 أكتوبر20218).. إن تصريحات فلكونكراوت تصب النار على زيت الهوية لتزيد اشتعالها، نار يمكنها أن تحرقه.

وكتب السياسي الكبير ومرشح الرئاسيات آلان جوبي الهويات السعيدة، رداً على بؤس مقولات فلكونكراوت، قائلاً: «الذين يحملون الآخر المختلف، كل ويلات المجتمع وارتباك الهوية، ينشئون معمار العنصرية ومعاداة السامية».