الجمعة - 29 مارس 2024
الجمعة - 29 مارس 2024

احترس.. أمامك يورانيوم

تزيد مساحة النيجر.. ذلك البلد الفقير على مساحة بلجيكا أربعين مرّة، لكنها مساحةٌ تمتلئ بالفراغ، لا زرع ولا ماء، ثم جاءت حركات التَّمرد لتصبّ الدمّ فوق الفقر! وتعاني دولة النيجر الحرارة والجفاف، ويصفها البعض بأنها «مقلاة الأرض».. وحسب اليونيسيف يعيش أغلب سكانها تحت أدنى حدٍّ للفقر.

إنّ «مقلاة الأرض» تواجه الغليان عند أطرافها، ففي الشمال نشبت العديد من المعارك بين حركة الطوارق والحكومة المركزية، وفي الغرب تمكن تنظيم داعش من قتل عشرات الجنود من جيش لا يتجاوز إجمالي تعداده عشرة آلاف بكثير، وهو ما دعا مئات النيجريين للتظاهر في العاصمة نيامي ضد القواعد العسكرية الأجنبية في البلاد، ذلك أنها لم تفعل شيئاً يذكر في مكافحة التطرف ومواجهة الإرهاب.

أصبحت النيجر بلاداً مرهقة دونما قدرة على وقف حالة الإرهاق، وبينما يطالب «الطوارق» باستثمارات حكومية أكبر شمالي البلاد فإن الحكومة لا تملك تلبية متطلبات التنمية في الشمال أو في غير الشمال، ولولا نهر النيجر وقيام النشاط الزراعي في المناطق الجنوبية على أراضٍ لا تتجاوز (2%) من مساحة البلاد لكان الجنوب كالشمال.


إن النيجر التي هي بلاد الجفاف والحاجة، هي أيضاً بلاد اليورانيوم والذهب، حيث تمتلك رابع أكبر مخزون لليورانيوم في العالم وهو الأكبر في أفريقيا.


لقد اعتادت النيجر أن تترك الاستثمار في حقول اليورانيوم لفرنسا التي كانت تحتل البلاد حتى عام 1960، ولكن صعود المواجهة مع «الطوارق» شمالي البلاد جعل الحكومة تتهم فرنسا بدعم تمرد الطوارق، وهنا ظهرت الصين التي قامت الحكومة بمنحها امتيازات في مجال اليورانيوم لكسر الاحتكار الفرنسي في ذلك العنصر الأكثر خطورة في كوكب الأرض.

يشكو كثيرون من الحكومة واليورانيوم معاً، ذلك أنهم لا يجدون أثراً في حياتهم من عوائد التصدير، بل إنهم يواجهون مشاكل عديدة وهم يمارسون حرفة الرعي بسبب حقول اليورانيوم.. إنهم يشكون من أنهم كلما ذهبوا إلى أماكن الكلأ لرعاية ماشيتهم يجدون أعلاماً حمراء مكتوباً عليها «هنا يورانيوم»، وهو ما يعني عدم الرعي في تلك المناطق، وهكذا فإنهم يجدون أنفسهم في عداء مع اليورانيوم.. حيث لا عائد من تصديره ولا رعي في وجوده! في النيجر توجد فرنسا والصين والولايات المتحدة ولا يوجد الأمن أو الغذاء.. يشعر الناس بالإحباط الشديد لأن بلادهم التي تغذي عشرات المفاعلات النووية حول العالم لا تستطيع تغذية مئات القرى في كل ربوع البلاد.

لقد تحالفت الطبيعة والسياسة ضد دولتهم الصحراويّة، التي باتت جزءاً من التنافس الدولي على الموارد والمناجم، من دون أن يكون لوطنهم النصيب الكافي.

إن المشهد الذي يلخص محنة النيجر يتلخص في تلك العبارة الراسية فوق الأعلام الحمراء: «هنا يورانيوم.. حيث لا مفاعلات ولا دولارات ولا أغنام».