الخميس - 25 أبريل 2024
الخميس - 25 أبريل 2024

إرهاب الوقت

«الوقت كالسيف إن لم تقطعه قطعك».. هذه الجملة التي نرددها دائماً، أضحى إرهابها يطاردنا يومياً، فدفع الفرد عنوةً إلى صراع دائم لتحصيل قيمة هذا الوقت الثمين، إنه شبحٌ خفيٌّ بلا رحمة، ألزم كثيراً من المجتمعات الحديثة بالتطلع إليه، وفرض معركة معقدة، فإما حياةٌ تحت عبوديته وتشريعاته، وإما دمار شامل.

يقول كلاوس شواب مؤسس المنتدى الاقتصادي العالمي: «إننا نتّجه من عالم يأكل فيه الكبير الصغير إلى عالم يأكل السريع البطيء»، وإذا كانت نظرية داروين قد اعتمدها البعض لتبرير استعمار الدول الضعيفة وامتصاص ثرواتها من دول تَدعي الأفضلية الحضارية، فإن نظريّة كلاوس امتداد لهذه النظرية ومنحت مبرراً لامتصاص الإنسان وتفريغه وجدانياً وروحياً وقتل السكينة والطمأنينة فيه.

إن التكنولوجيا المتسارعة تحدٍّ لقِوى الطبيعة وعناصرها، لذا فإن سرعة خدمة الإنسان للاقتصاد، خلق مجتمعاً من الأفراد التُعساء والمُجهَدين الذين يعانون القلق والاكتئاب والأرق والاضطرابات والضغوطات النفسية والعصبية المفرطة.


اليوم، أصبح من السهل معاينة وملاحظة حالات الانهيار العصبي المتزايدة في العشرينيات والثلاثينيات من عمر الإنسان، والتي كانت فيما سبق من زمن لا تُشاهد إلا نادراً وبعد سن الأربعيـن في الغالب.


ضغط الوقت على الفرد يجعل أكثر من مليون أمريكي يغيب عن العمل بسبب الإجهاد الجسدي والذهني وفقاً لآخر الإحصائيات، ويُكلف الاقتصاد الأمريكي 150 مليار دولار، فيما تتناول 70 في المئة من العمالة الأمريكية المخدرات والمنشطات في أماكن العمل.

إن سطوة الوقت سبب رئيس لأغلب حوادث المرور عالمياً، حيث يُعزى نحو مليون وثلاثمائة ألف حادثٍ سنوياً حسب تقرير الأمم المتحدة لعامل الوقت الضيق، كما تشير كثيرٌ من البحوث العلمية الأخيرة بأن جسم السائق المسرع يُفرز مادتين كيمائيتين هما «الأدرنالين» و«النورودرالين»، تعادل كميتهـــما الإفرازيــــة الكميــة التي يفرزها الجســـم خـــلال الممارسة الجنسيـــة تحـــت مسمى «نشوة الســـرعة».

وتقول الروائية ميلان كونديرا: «عندما تحدث الأمور بسرعة كبيرة، لا يمكن لأي أحد أن يكون متأكداً من أي شيء على الإطلاق ولا حتى من نفسه».

إن الإنسان تطلع بنفسه لتكنولوجيا تساعده على كسب مزيد من الوقت، واستطاعت فعلاً أن تُكسبه ذلك، لكن أُفسد هذا الوقت المُكتسب بواجبات ورغبات لا تكاد تنتهي، حتى أصبحنا نردد مقولة جديدة هي: «الوقت يلزمه وقت».. لقد تعددت أوجه الحريات في هذا الزمن ولكن يبقى النوم بدون منبه أفضلها.