الخميس - 28 مارس 2024
الخميس - 28 مارس 2024

شرط السؤال المسموح

يقول الحق ـ سبحانه وتَعَالَى ـ في الآية 101 من سورة المائدة: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ﴾.

ويحكي عبد الله بْنُ عَبَّاسٍ ـ رضي الله تعالى عنهما ـ أن قوماً كانوا يَسْأَلُونَ رَسُول اللَّهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ اسْتِهْزَاءً، يَقُول الرَّجُل مَنْ أَبِي؟ وَيسأل آخر: تَضِل نَاقَتُهُ: أَيْنَ نَاقَتِي؟ فَأَنْزَل اللَّهُ فِيهِمْ الآيَةَ الشريفة.

وذكر الإمام الطَّبَرِيُّ ـ رحمه الله تعالى ـ أَنَّ هذه الآيَةَ نَزَلَتْ عَلَى سيدنا رَسُول اللَّهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ بِسَبَبِ مَسَائِل كَانَ يَسْأَلُهَا أَقْوَامٌ امْتِحَاناً لَهُ أَحْيَاناً، وَاسْتِهْزَاءً أَحْيَاناً أخرى.


قد يتبادر إلى أذهان بعض الناس مما تقدم؛ منع السؤال على الإطلاق، وهذا الظن ظنٌ مخالف لما قاله ويقوله الراسخون في العلم، الذين أوضحوا في كثير من أقوالهم أنَّ الْمُرَاد بالمسائل الممنوعة، الْمَسَائِل الدَّقِيقَة الَّتِي لا يحْتَاجُ إِلَيْهَا الناس، أو السُّؤَال عن مسائل لاَ تَتَرَتَّبُ عَلَيْها أي مصلحة؛ دِينِيَّةٌ أو دُنْيَوِيَّةٌ.


وفي الحديث الشريف قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْحَلاَل مَا أَحَل اللَّهُ ـ سبحانه وتعالى ـ فِي كِتَابِهِ، وَالْحَرَامُ مَا حَرَّمَ اللَّهُ ـ سبحانه وتعالى ـ فِي كِتَابِهِ، وَمَا سَكَتَ عَنْهُ فَهُوَ مِمَّا عَفَا عَنْهُ»، وَوَرَدَ عَنْ المصطفى ـ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ ـ أَنَّهُ: كَانَ يَنْهَى عَنْ قِيل وَقَال وَكَثْرَةِ السُّؤَال، وَإِضَاعَةِ الْمَال، وَجَاءَ عنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ كَرِهَ الْمَسَائِل، وَعَابَهَا».

إن من الأسئلة المُعيبة، التي أُبتلي بها الناس، في هذه الأيام، الأسئلة والمسائل التي تُطرح تَّكَلُّفاً، أو تَّعنتاً، وفي مثل هذا النوع، َيقول الصحابي الجليل سيدنا أَبُو هُرَيْرَةَ ـ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ـ مُحذراً ومُنبها: «شَرُّ النَّاسِ الَّذِينَ يَسْأَلُونَ شَرَّ الْمَسَائِل كَيْ يُغَلِّطُوا الْعُلَمَاءَ»، أما السُّؤَال عَلَى وَجْهِ التَّبَيُّنِ وَالتَّعَلُّمِ، عَمَّا تَمَسُّ إِلَيْهِ الْحَاجَةُ فِي أُمُورِ الدِّينِ أَوِ الدُّنْيَا فهذا من المسموح، بل والمَأْمور بِهِ.

أختم مقالي بأن إيراد الأسئلة في حدّ ذاته ليس غاية، وعلينا بذل الجهد في البحث، وتعقل معاني ما نسمعه من إجابات، والكف التام عن المشاغبات، وتشتيت من حولنا، وملء قلوب الآخرين بالشك والاضطراب.