الخميس - 28 مارس 2024
الخميس - 28 مارس 2024

القياس من أهم الأدوات

يعد «القياس» من أهم مصادر التشريع الإسلامي بعد القرآن الكريم، والسنة المطهرة، والإجماع؛ الذي هو «اتفاق مُجتهدي الأمة بعد وفاته صلى الله عليه وسلم، في عصر على أي أمر كان»، وهو حجة قطعية، بينما القياس دليل ظني.

إن القياس معناه «مساواةُ فرع الأصل في علة حُكمه»، كقياس «المخدرات» على «الخمرة» في التحريم، لاشتراكهما في علة الإسكار، والعمل به سابق على العمل بالإجماع؛ لأنَّ العمل بالقياس قد جرى في حياته صلى الله عليه وسلم، بخلاف الإجماع، الذي لم ينعقد أصلًا في حياته المتميزة بنزول الوحي بناء على أحكام الوقائع.

إن الشريعة الإسلامية لا تنحصر في الشعائر التعبدية، بل هي منهج ينظم حياة البشر، والقياس من أهم أدوات بيان أحكام الوقائع غير المحصورة من خلال النصوص المحصورة، وهو ما فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم مع صحابي جاءه.. فقال له: يا نبي الله، إن أبي مات ولم يحج، أفأحج عنه؟ فقال له صلى الله عليه وسلم: «أرأيت لو كان على أبيك دين، أكُنتَ قاضيه؟»، ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم: نعم «فدين الله أحق».


والقياس، يسميه العلماء «عكاز الفقيه»، أي الذي يتوكأ عليه، إذا لم يجد نصاً في المسألة التي يطلب معرفة الحكم الشرعي فيها، ولا إجماع يُبين هذا الحكم، ولولاه لبقيت الوقائع الكثير المستجدة المعاصرة بلا حكم يبين مراد الله سبحانه وتعالى فيها، ومعلوم أن النصوص الشرعية محصورة من حيث العدد، بينما الوقائع والحوادث التي تجري في هذه الحياة متجددة، ومتكاثرة، ولا حصر لها.


وأختم بواحد من أشهر الأدلة النبوية العقلية على موضوع المقال؛ فقد أتى شاب النبيَّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم فقال: أتأذنُ لي في الزنا؟ فصاح الناسُ به.. فقال: قَرِّبوهُ؛ حتى جلس بين يديْهِ، فقال: أتحبُّه لأُمِّكَ؟ فقال: لا، جعلني اللهُ فداك.. قال: كذلك الناسُ لا يُحبُّونَه لِأمَّهاتِهم.. أتحبُّه لابنتِك؟ قال: لا، جعلني اللهُ فداك.. فقال الرسول: كذلك الناسُ لا يُحبُّونَه لبناتِهم، أتحبُّه لأختِك؟.. حتى ذكر صلى الله عليه وسلم العمَّةَ والخالةَ، و الشاب يقولُ: لا، وصلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم يقولُ: كذلك الناسُ لا يُحبُّونَه.

وفي آخر النقاش وضع عليه الصلاة والسلام يدَه على صدرِه وقال: اللهمَّ طهِّرْ قلبَه واغفر ذنبَه وحصِّنْ فَرْجَه.