الخميس - 25 أبريل 2024
الخميس - 25 أبريل 2024

«سامان ديقا»

«سامان ديقا» هو الرجل عديم الفائدة أو نادر المنفعة، وهو مصطلح قديم استخدمه البحارة في الخليج لنعت عديمي الفائدة، ثم بعد انتهاء أعمال البحر تدريجيا دأب جميع أهل الخليج إلى استخدام ذلك المصطلح، وإطلاقه بشكل عام على كل من ينطبق عليه الوصف بعدم المنفعة.

هذه التسمية هندية الأصل تتكون من كلمتين «سامان» والتي تعني أغراضاً أو معداتٍ، بينما «ديقا» فتعني مناول، ومعنى التسمية المركبة كاملةً مناول الأغراض، وهي مهنة بسيطة جداً، حيث تجتمع أعداد كبيرة من العمال يجلسون على أرض الميناء، بحثاً عن عمل لدى النواخذة (الربابنة) الخليجيين، لكن بالطبع لا توجد أعمال لهم جميعاً، لكن الخليجيين كانوا يسمحون لمن يتظاهرون بالعمل ولا يفعلون إلاّ المناولة فيعطونهم ويمنحونهم أجراً.

وكانت البضائع والأغراض تُحْمَلُ من مخازن أرض أرصفة الميناء إلى المراكب بواسطة العمال الهنود، لكن لكثرتهم يقفون الواحد تلو الآخر يناولون بعضهم البعض من المخزن إلى المركب، وهؤلاء هم سامان ديقا، وما إن ينتهي العمل، حتى يعود العمال إلى دكك الميناء، ويتجمهروا عند كل مجموعة من الخليجيين القادمين، وإذا سألوهم ما عملكم قالوا: (سامان ديقا)، وهم في الحقيقة لا عمل ولا تخصص عندهم، لكنهم جاؤوا للاسترزاق بأي شكل، حتى وإن كان بالمناولة التي لا تَعَب فيها ولا تحتاج لخبرة معينة أو معرفة.


لكن طيبة أهل الخليج وخَيريّتهم المعهودة، كانت تجعل الهنود يطمعون دائماً بالحصول على عمل عندهم، ولو كان بسيطاً من أجل الحصول على أجر، وبالفعل كان الخليجيون يقدمون هذا الأجر لعمل لا يطلبونه، فقط بدافع الشفقة والرحمة وعمل الخير.


جماعة السامان ديقا يذكّرونني اليوم بكثير من روّاد التواصل الاجتماعي أو (سوشيال ميديا) كما يحبون أن يُلقبوا، فهم لا عمل ولا تخصص لهم، اللهم إلاّ أنهم يتناولون ويناولون ما يعرفه أهل الاختصاص، فيقومون بإعادة صياغته، وينسبونه إليهم بلسان أعوج وحركات بلهاء، وفعلهم الآخر أنهم يقدمون دعايات لبضائع ومأكولات يجهلونها، ومن الممكن أنهم لم يتذوقوها أبداً.

وفي حقيقة لو كان هؤلاء «سامان ديقا العصر» في زمن غير هذا الزمن، لن تقوم لهم قائمة، لكن الزمان تغيّر والمعايير انقلبت رأساً على عقب، فهذا سامان ديقا وذلك بياع حكي، والآخر «طرطنقي»، لا يغنون ولا يسمنون من جوع، اللهم إلا مضغ الكلام والتباهي والتفاخر.