الثلاثاء - 16 أبريل 2024
الثلاثاء - 16 أبريل 2024

أجنبي ومواطن

لنقترض جدلاً أننا مواطنون بدولتنا التي نحظى فيها بكامل المزايا التي تميزنا عن باقي السكان من مختلف المِلل والأعراق الذين يمثلون الأقليات ببلدنا، فهم لا يتمتعون بوضعية المواطنة وإنما بصفة الوافدين والمقيمين الذين اختاروا وطننا للعمل لحاجتنا لهم بمقدار رغبتهم اغتنام الفرصة ليحظوا بعائد مالي مجزٍ لم يجدوه في الغالب حيث ينتمون، ومن ثم تحول مسعاهم المادي لنمط حياة تعودوا عليه فأصبح من الصعب عليهم بعد ذلك تغييره والعودة لأوطانهم، ففضلوا الغربة وبدؤوا بتكوين عائلات جيلاً بعد جيل، لكن ذلك لم يغير من حقيقة كونهم أجانب بيننا.

لنقرب الصورة أكثر، دعونا نتحدث عن بلدان أخرى بعيدة عنّا ولكنها تتشاطر معنا بكونها مقصداً للآخرين الحالمين بحياة كريمة، مثلوا بعد تواجدهم بها أقليات متعددة المشارب، ربما كان بعضهم ينتمي للدولة التي تحدثت عنها في بداية المقال، حيث كانوا بها مواطنين لكنهم حالما تركوها لأرضٍ أخرى انتفت عنهم صفة المواطنة، ليكونوا حالاتٍ لاجئة شكلت من جديد أقلية في بلاد الآخرين!.

قبل فترة من الزمن حدث معي موقف حين كنت بزيارة لأحد الدول الآسيوية الفقيرة، ففي السوق وحين كنت أتجول مع صديق وإذا بأحدهم يربت بيده على ظهري، وما إن التفت إليه حتى بادرني بسؤال فضولي باللغة العربية، إلا أنني لم أرغب بالإجابة عليه فتجاهلته ومضيت، فقاطعني معترضاً طريقي قائلاً: «صديق، أنا هنا مواطن وأنت أجنبي، لازم تحترمني»!.


صمت مجدداً ومضيت ولكن كلماته لازمتني، فقد عرّف ذاك الفضولي ومن غير قصد معنى الغريب والمواطن، وهما اللذان يُشتق منهما مفهوم الأقلية والأغلبية، فكل إنسان بوطنه مواطن، لكنه ما إن يغادره لأي غرض سواء كان سياحة أو عملاً أو زيارة، حتى يتحول لغريب أجنبي في دولة سكانها هم المواطنون وزائروها هم الغرباء أو الأجانب الذين لا ينتمون للمكان وفق المفاهيم الدارجة.


الخلاصة، قبل أن نمارس نحن البشر فوقيتنا على الآخرين بحكم تمتعنا بكينونة المواطنة في دولنا، يجب أن نعي جيداً أن هذا العالم هو أساساً عبارة عن كانتونات من الأقليات الكثيرة التي تعيش ببقع جغرافية مختلفة، متقاربة ومتباعدة.. علينا أن ندرك ألاّ أفضلية لأحدنا على الآخر، فالغريب عندنا مواطن ببلده وكذلك المواطن أقلية، وغريب في بلاد الآخرين!