الجمعة - 29 مارس 2024
الجمعة - 29 مارس 2024

السفر خارج الصندوق

في دراسة نشرت قبل خمس سنوات، في نشرة أكاديمية الإدارة الأمريكية (Academy of Management Journal)، شملت على عينة من 270 رئيساً لدور أزياء مشهورة بعد متابعتهم لمدة 11 سنة، جاءت النتائج كالتالي: أن الرؤساء الذين انتقلوا إلى بلدان جديدة وأطالوا المكوث فيها، جاءت تصميمات دور أزيائهم أكثر أصالة وإبداعاً من غيرهم، وأنه كلما ازداد عدد الدول التي زارها رؤساء دور الأزياء، كلما ازداد إبداع خطوط إنتاجهم بحدود معينة، وأن الرؤساء الذين عاشوا في أكثر من ثلاث دول لم يكونوا على ذات القدر من الإبداع الذي تمتع به من عاشوا في ثلاث دول مختلفة أو أقل.

والسبب هو عدم قدرة الرؤساء الذين سافروا إلى أكثر من ثلاث دول على الاندماج بحضارة البلد الجديد كما كان يجب؛ كما أظهرت النتائج أن الذين سافروا للعيش في بلدان أقرب إلى ثقافاتهم وحضارتهم الأم كانوا أكثر إبداعاً، ورجّح الباحثون أن يكون السبب في ذلك هو أن اختلاف ثقافة البلد الجديد وبشكل تام عن الثقافة الأم للشخص، قد يجعل الخوف يسيطر عليه فيتجنب الاختلاط بالبيئة المحلية الجديدة.

إن سبب تقديمي لهذه الدراسة هو اغتنام فرصة كثرة المسافرين خارج أوطانهم هذه الأيام؛ فالسفر لا يمكن أن ينفع الإنسان في شيء، إذا لم يختلط بأناس جدد، وبحضارة وثقافة جديدة، لا من حبس نفسه وعزلها عما يراه، وعمن يراهم؛ ففوائد تجربة السفر يحصل عليها من يحسن الانغماس في جو الحضارة الغريبة عنه، ومن يزيد من رفع مرونته الإدراكية، وهو ما يستدعي التفكير الجدي في تجديد أماكن السفر المعتاد، وأن ما يستبعد الواحد منا زيارته يجب عليه أن يقوم بزيارته، فدائماً هناك جديد ينبغي على الإنسان أن يكتشفه، سواء عن نفسه أو عن الآخرين حوله.


وأخيراً أذكر أن من فوائد السفر الجليلة إعادة الثقة بالبشر، فكل الدراسات والأبحاث أثبتت بأن الأشخاص الذين يصدرون أحكاماً مسبقة عن بعض الشعوب ويصنفون البشر إلى فئات، سيبقوْن منغلقي الأذهان، وكما حبسوا الناس في صناديق داخل أذهانهم ستبقى عقولهم تفكر داخل الصندوق المغلق، ولن يقف أي إبداع لأي إنسان لا يحسن التفكير خارج الصندوق، الذي حبس فيه نفسه أو حبس فيه غيره.