الأربعاء - 24 أبريل 2024
الأربعاء - 24 أبريل 2024

دفتر الأغاني

في عمر الرابعة عشرة، وقد كنت في الصف الثاني الثانوي، اشتريت دفتراً بأوراق سمراء كتبت عليه عنواناً هو «دفتر الأغاني»، كنت أدون فيه كلمات الأغاني التي أحبها لمطربين شباب، كما كان يطلق عليهم.. وأعيد الأغنية من جهاز التسجيل عشرين مرة لكي أنتهي من نقلها من صوت المطرب إلى دفتري.

لا أعرف ما هي حاجتي لذلك، لكنها واحدة من نزوات ذلك العمر الذي بدأت فيه كذلك تدوين مذكراتي الخاصة.

كان ذلك في سنوات الحصار الاقتصادي على العراق ولم يكن هناك وقتها إنترنت ولا يوتيوب ولا أجهزة حديثة، الشيء الوحيد المتاح للتسلية هو الأغاني..


بعد الحرب عام 2003 هاجرت مع عائلتي من العراق وعشت في أكثر من بلد عربي، وحملت معي دفتر الأغاني لسبب أجهله، وحتى بعد ظهور اليوتيوب وتوفر الأغاني مع كلماتها لم أتخل عن دفتري هذا.. ربما لأنه لم يعد دفتر كلمات ولكنه دفتري أنا وأغنياتي أنا، فالأغنية ليست جميلة دائماً، ولكنها كانت جميلة في لحظة ما من عمرنا.


أفتح الدفتر بين فترة وأخرى وأدقق في خطي المرتبك وطريقة رسمي للحروف، والملاحظات التي كتبتها عن كل أغنية أو الكلمات التي أفهمها أو التي لم أسمعها جيداً، وكأنها كتبت لي وحدي، فبين سطورها هناك قصة سرية حقيقية أو متخيلة.. قصة حب أو إعجاب أو حالة عاطفية عابرة عشتها مع تلك الكلمات، ففي عالم المراهقة تكون الأغنيات نوافذ مشرعة يدخل منها الهواء النقي واللذيذ الذي يبعدنا عن عالم السياسة وشعارات الحصار والألم الذي تسببه.

في هذا الدفتر لم يكن هيثم يوسف أو مهند محسن أو حاتم العراقي هم أنفسهم الذين أعرفهم الآن، كانوا ضيوفاً غامضين على عالمي، يأخذون بيدي إلى عوالم لا أعرفها، وكان دفتري السري يحمل كلماتهم في حياتي مثل الأكسجين الذي يمنح الأمل لمن ضاقت عليه ظروف الحياة.

دفتر الأغاني هو السيرة الشخصية لأحلامي القديمة، أقرأ الكلمات ويتردد صدى الصوت في رأسي مثل ذكرى غير قابلة للنسيان.