السبت - 20 أبريل 2024
السبت - 20 أبريل 2024

في ذكرى جدَّتِي

ذات مساء، حينما جاءتني مكالمة ابنة أخي بصوتها المخنوق المتلعثم في الثانية والنصف ليلاً وهي تبلغني نبأ موت «جدتي».. ارتجفت العبرات في حلقي، وأبت الدموع أن تخرج من محاجري، وشُل عقلي عن التفكير بفقد عزيز وليس أي عزيز.! جدتي التي كانت ككل الجدات تنتظر زيارة نهاية الأسبوع.. تهاتفني لتخبرني بأنها أعدت وجبة الطعام التي أحبها.. أضع رأسي في حجرها لتخلخل أصابعها بين خصلات شعري.. تفتح معي أحاديثاً عن أقاربنا، متذمرةً من قطيعة فلان وأقاويل علان بعتب محب لا أكثر!.
اليوم عندما أرى من حولي رجال ونساء ترك الزمن آثاره على تقاسيم وجوههم النيرة، أتساءل: كم من حب امتنع عن الاغتراف منه الأبناء والأحفاد نتيجة البعد عن «بركة الدار»، متحججين بانشغالات الحياة؟!، وكم من أحاديث يثيرها هؤلاء لم تؤرخها ذاكرة الجيل الحالي الذي لا يملك من الخراريف القديمة والأمثال والحكم شيئاً يُذكر؟! واليوم أيضا: عندما يحتفي العالم بيوم المسن ليس كافياً أن نسجل زيارات لا تتجاوز الساعة لدور رعاية المسنين، وليس كافياً أن نستذكر ما قدمته الحكومات من مبادرات تحمي حقوق هذه الفئة، بل نحتاج إلى رد الاعتبار لهؤلاء الذين يجلسون في زاوية داخل بيوتهم في انتظار من يتذكر أنهم على قيد الحياة.. لهؤلاء الذين يتجمعون في مجلس الشواب ويكررون ذكرياتهم التي حفظتها جدران المكان، فكادت تنطق إنسانيةً.
سارعوا إليهم.. قبِّلوا رؤوسهم وراحة يديهم.. انتزعوا منهم ما تبقى من الوقت بالحديث والضحك ودغدغة الذكريات.. خذوا أبناءكم وأحفادكم إليهم.. خصصوا لهم أكبر الغرف في بيوتكم وزينوها بأفضل قطع الأثاث لا أردأها.. عاملوهم بالحسنى، فقط كونوا حولهم.. فهذا ما يريدونه.. يوماً ما ستشتاقون لتلك الرائحة الخاصة بالجدة.. كما اشتاق أنا اليوم.