الجمعة - 26 أبريل 2024
الجمعة - 26 أبريل 2024

.. ونحن نريدك يا عراق

اسقاط نظام صدام حسين في العراق كان التجربة الأولى لما سمي فيما بعد (الربيع العربي).. اسقاط النظام تحت دعاوى طائفية، وبناء حالة ديمقراطية على مقاسات (بول برايمر)، وتمكين النخب الفاسدة من تداول السلطة عبر لعبة الصندوق، ووضع مداميك التقسيم الطائفي والعرقي الذي يجب أن ينتهي بحرب أهلية وإعادة تقسيم الخرائط؛ هو الصورة المكتملة لمشروع الشرق الأوسط الجديد.

لم يكن الخروج الاحتجاجي الأخير للعراقيين هو الأول، إذْ لا أظن شعبا يعيش في دولة بثراء العراق ويعاني الفاقة كما يعاني العراقيون.. انعدام شبه كامل لكافة الخدمات الصحية والتعليمية، وانهيار شبه كامل للبنى التحتية، وانعدام مخيف للوظائف وانعدام كامل للأمن.. بلد يطفو فوق محيط من النفط لا يستفيد شعبه من الكهرباء إلا ساعات محدودة في الأسبوع أيام الصيف الحارقة. ويسمع العراقيون كل يوم حكايات«الأربعين حرامي» الذين يسرقون المليارات من قوته بلا خجل ولا حياء ويعمرون عقاراتهم الفارهة في كافة أرجاء المعمورة، لذلك لابد للشعب العراقي أن يحتج، وأن يخرج شاهرا فقره وعوزه وحرمانه، في وجه النخب السياسية المعزولة في المنطقة الخضراء.

خروج العراقيين الكاسح أربك الجميع، والمجاميع الغفيرة بلا قيادة واضحة ولا انتماء حزبي أو مذهبي كانت أكبر من أن تتمكن الحكومة العراقية من الحاقها بمندسين أو متآمرين أو أحزاب طامعة بالسلطة، وقد لجأ بعض القوى السياسية إلى الابتزاز الطائفي أو اتهام الخصوم أو الإشارة إلى قوى خارجية تتحكم بممثليها في الداخل، لأن السَّاسة لن يتنازلوا بسهولة عن المكاسب الخيالية التي يَجْنُونَها من حكم العراق على هذا النحو من الفساد الاستثنائي في تاريخ البشرية.


وعلى الرغم من كل التحديات والمخاطر المحدقة بالعراق، فإن العراقيين إن تمكنوا من الانقلاب على ركني نظام الحكم في العراق (الفلسفة الطائفية، والفساد)، فسيكون ذلك بدء تعمير الطريق لإصلاح كارثة انهيار الدولة في العراق، وسوف يرسخ لنقض تعليمات (كاتالوج) مشروع الشرق الأوسط الجديد الذي يطوف بالوطن العربي.


في غمرة آلام ما نراه في العراق، يعود بنا الحنين لذلك العراق العظيم الذي احتضن الفن والعلم وجمع العرب على ضفاف أنهاره.. ذك العراق الذي كان حاميا للبوابة الشرقية وكان سند كل عربي، وكان فخرنا بجماله وثرائه وقوة شعبه وتقدمه، الذي أوشك أن يناهز تقدم الدول الأوربية.. نشتاق إلى العراق، الذي حسدتنا عليه عيون النرجس، فخسرناه ذات صيف لا شمس له، ومن بعده بدأ مشروع الخسائر العربية الذي لم ينته بعد.