السبت - 20 أبريل 2024
السبت - 20 أبريل 2024

علمني النبي نوح

علمني النبي نوح
بقلم: صالح البناء كابتن بطيران الإمارات ـ دبي

علمني نبي الله نوح ـ عليه السلام ـ دروسا كثيرة، منها: أن الأخذ بالأسباب ثم التوكل على الله الذي بيده المعجزات.. فها هو يبني السفينة التي ستقاوم أعتى طوفان عرفته البشرية، فكيف كانت مواصفاتها يا ترى ونحن نعلم القدرات المحدودة لذلك العصر؟.. لقد بناها النبي نوح بجدران الثقة بالله، وأعمدة اليقين به، وغرف التوكل عليه سبحانه وتعالى، فكانت مهيبة تستحق معيّة الله لصفوة البشر المؤمنين، الذين كتب الله لهم النجاة آنذاك.

وعلمني النبي نوح أيضا درسا ثانٍ يتمثل في أجمل قصص الأبوة والحنان.. فها هو يمد يديه في هول الطوفان والأمواج العاتية والرياح القوية لفلذة كبده منادياً إياه رغم عدم إيمانه به ويقول: {يا بني}، يناديه باسم التصغير رغم هول الموقف!!، فما هذا الصبر على عقوق الابن وتكذيبه لدعوته الطويلة؟!.


وهناك درس ثالث تعلمته من نوح أيضا، أنه إذا أصابت المرء شدة فليلجأ بها إلى الله فوراً، لذلك كان أول دعاءه بعد أن أمر الله السماء بأن توقف مطرها والأرض بأن تبلع ماءها واستوت سفينته على الجبل: ﴿ونادى نوح ربه فقال رب إن ابني من أهلي وإن وعدك الحق وأنت أحكم الحاكمين﴾ [هود: ٤٥]، وهنا يناجي نوح ربه بما دار بينهما مسبقاً فيقول: { رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ} أي: وقد أخبرتني ووعدتني سابقاً يا الله أنك ستنجي أهلي حين أمرتني بقولك: فـ {احْمِلْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ «وَأَهْلَكَ»} ولن تخلف ما وعدتني به من أنك ستنجي أهلي في السفينة وولدي «يام» الذي غرق من أهلي.


وعلمني نبي الله نوح عليه السلام درسا رابعا، وهو: أن الله يدبر الأمر كله فهو عالم الغيب والشهادة وبيده مقاليد الأمور، وأنه لطيف لما يشاء.. يعلم ولا نعلم فيعطينا ما فيه خير لنا ويمسك عنا ما غير ذلك، كما علمني درسا خامسا، وهو: أن أكون سريع العودة والرجوع والإنابة إلى الله، شديد الانكسار في طلب مغفرته ورحمته، وإلا كنت من الخاسرين، حتى وان كنتُ بطل القصة، وصفوة الله على الأرض بعد الطوفان الهائل، والقائد الأوحد لجميع من نجى من الخلائق، فبالمغفرة والرحمة ينجو العبد من أن يكون من الخاسرين، ودل هذا على أن نوحا، عليه السلام، لم يكن عنده علم، بأن سؤاله لربه، في نجاة ابنه محرّم وقد نهى الله عنه مسبقاً، حيث قال له الله قبلها: {وَلَا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ} وقد تعارض عند نوح الأمران، حيث ظن أن ابنه «يام» داخلٌ في من وعد الله بنجاتهم من أهل نوح في قوله تعالى: {وَأَهْلَكَ}، وبعد ذلك تبين له أن ابنه الغير مؤمن داخل في المنهي عن الدعاء لهم، والمراجعة فيهم، فتاب واستغفر فوراً.

أضافة إلى ذلك كله، فقد علمني نبي الله نوح عليه السلام أن الله يختبر عباده ليرى صنيعهم وأنه يحب المنيبين إليه والمستغفرين له والراجين رحمته، وأن جزاء هؤلاء من الصفوة سلامٌ من الله على قلوبهم، وبركات عديدة في حياتهم، ولذلك جاءت الرحمة الإلهية بعد ذلك في قوله تعالى ﴿قيل يا نوح اهبط بسلام منا وبركات عليك وعلى أمم ممن معك ﴾ [هود: ٤٨]، وبذلك يكتمل الدرس الرقيق من قصة هذا النبي الجليل، ذو القلب الرؤوف والرحيم.. ويالها من دروس ستظل صامدة في وجهه تغيرات الأزمنة وأهله.