الجمعة - 29 مارس 2024
الجمعة - 29 مارس 2024

لبنان.. الوعي الجديد!

تعبّر تظاهرات اللبانيين عن ذلك المشترك الذي دفع بالشعوب العربية في الجزائر، والسودان، وقبلهما في تونس، ومصر، وليبيا، إلى مناهضة أنظمتها السياسية التي شاخت وانكفأت في ذاتية مقيتة مقابل تفقير مواطنيها، والعجز عن توفير الحد الأدنى من حاجياتهم الأساس وصون كرامتهم.

ما يحدث في لبنان اليوم يؤشّر على وعي جديد لم تألفه الشّعارات التي رفعت في التظاهرات العربية السّابقة، وكأنه يستكمل دورة الوعي الكلّي بالإختلالات الهيكلية التي سكنت عظام الأمة العربية لسنين عددا.

يتمثل هذا الوعي الجديد في إدراك اللبنانيين لمرض الطائفية الذي فوّت عليهم كثيرا من الفرص، لبناء مجتمع متماسك وقوي له كل مؤهلات بلوغ المجتمعات الصاعدة، لأول مرّة في تاريخ لبنان المعاصر يخرج اللبنانيون متلاحمين حول فكرة التغيير متجاوزين نعراتهم الطائفية التي كانت مصدر تأخرهم الاقتصادي والسياسي.


لم تُرفع أعلام الإنتماءات العرقية والمذهبية، وإنما رُفع العلم الوطني رمزا للوحدة وتعبيرا عن الإنتماء الجمعي للبنان، لم تتحيّز الشعارات إلى حزب سياسي في الحكومة دون غيره كما كان الأمر في السابق اعتبارا للانتماء الطائفي، وإنما ندّدت بكل أحزاب الأغلبية الحاكمة وطالبت بإسقاطها، كأنها بذلك، تبصم بأصبع واحد على أن خدعة الطائفية التي أحدثت الفرقة بين أبناء الشعب الواحد قد انكشفت.


يعتبر خطاب أمين عام حزب الله حسن نصر الله الذي رفض فيه استقالة الحكومة، و هدّد صراحة المتظاهرين بأنه: «سينزل إلى الشارع ويغيّر المعادلات وأنه لن يخرج منه قبل تحقيق الأهداف التي نزل لأجلها»، تعبيرا حقيقيا عن شعوره بخطر الاحتجاجات، التي إن استمرت بنفس الوعي والحافزية ستبطل كل حسابات حزب الله الذرع السياسي والعسكري لإيران.

إن تحقق الإرادة الجماعية في تجاوز الطائفية يعني بالمباشرأن لبنان ستدخل مرحلة تاريخية جديدة تقوم فيها أسس الدولة الوطنية الموحّدة، بما يعني إسقاط حزب الله وإبطال مشروع إيرن في المنطقة، وهذا ما يبرّر انزعاجه من تظاهرات اللبنايين وهم موحّدون.

إن رفض حسن الله لإسقاط الحكومة، لا يعني ردّا سياسا فقط على سمير جعجع زعيم حزب القوات اللبنانية، لما أصدر تعليماته لوزرائه بالإستقالة من الحكومة والدعوة إلى تشكيل حكومة جديدة، وإنما ردّا استراتيجيا إيديولوجيا يقضي بأن القرارات الكبرى المتعلقة بمستقبل لبنان السياسي لن تتّم بدونه أوبإرادة غيره.

لكن خطاب الحريري بتأكيده على: «أنه شخصيا قد أمهل نفسه وقتا قصيرا جدا، إما أن يعطيه شركاؤه في التسوية والحكومة جوابا واضحا وحاسما ونهائيا، أو أن يكون له رأي آخر»، هو تحميل المسؤولية لحزب الله الذي مافتئ يستقوي بإيران وأنه طرف سياسي مسؤول على ما آلت إليه الأمور في لبنان.

والأكيد أن هذه المهلة ستمرّ بدون نتائج مرجوّة، ولكن الرّابح سياسيا في هذه المظاهرات من يلتقط إشارات الوعي الجديد وينخرط فيه بقوّة.