الجمعة - 19 أبريل 2024
الجمعة - 19 أبريل 2024

مي الأخرى

كان يزور صالون مي زيادة الأدبي، أو الندوة، نخبة أدبية كبيرة، من بينها: أحمد شوقي، خليل مطر، حافظ إبراهيم، طه حسين، لطفي السيد، مصطفى صادق الرافعي، عبدالقادر المازني، داؤود بركات، أنطوان الجميل، وسلامة موسى، وإسماعيل صبري باشا وغيره.

وكان لكل من هؤلاء الزوار مراسلاته الأدبية ومناقشاته الثقافية مع ماري إلياس زيادة، لكن ما كان يقلق العقاد حبها لجبران الذي صعب عليه تقبله، فانقطع عنها مدة زمنية عندما انعزل، لكنه عندما عاد إلى القاهرة اشتعل هذا الحب ثانية، وتوطدت العلاقة بينهما وكأنه قبِل بالأمر الواقع لأن جبران كان روحاً أكثر منه إنساناً.

وقد وثق العقاد علاقته بمي في عمله الروائي سارة «هند»، وعلاقته بـ«أليس داغر»، التي كان سيتزوجها في «سارة»، حتى حين أثير السؤال، كيف جمع العقاد بينهما؟


أجاب العقاد «إذا ميّز الرجل المرأة من بين جميع النساء فذلك هو الحب.. أما أن يُجمع حبان قويان من نوع واحد، في وقت واحد، فذلك ازدواج غير معهود بالطباع»، ووقفت مي أمامه نداً لند، فناوأت رجولته وسطوته وكبرياءه حتى صدمت أحلامه باستقلالها وشبابها المتأنق المدرك لأصول العلاقات بين الرجل والمرأة، وبطبيعة الأنثى فيها استلذت مي بدورها، بكونها مركز اهتمام الكل وغزلهم، لدرجة أن كل واحد اقترب منها شعر بأنها له.


شهادة العاشق الولهان لها، مصطفى صادق الرافعي، دلالة على أنها كان منتشية بإغراءاتها «إن كل من حادثها ظن أنها تحبه، وما بها إلا أنها تفتنه»، مصطفى كان مجنوناً بها، تأليفاته فيها تثبت هذا الجنون، لدرجة أن قال سعيد العريان «إن مي ألهمت جبران خليل جبران، وأوهمت مصطفى صادق الرافعي».

والحالتان غير صحيحتين، فجبران لم ينتظر مي ليصبح ملهماً، والرافعي بنى حباً من خلال حاسة النظر واللمس، إذ إنه كان أصماً.

وعندما أصدر جبران مجموعته الشعرية «المواكب» انتقدها العقاد بعنف، وقال «إن جبران لو طرق باب الشعر المنثور لكان ذلك أفسح مجالاً لآرائه وأقرب إلى سليقته وقدرته اللغوية»، وكان القصد من وراء ذلك المس بجبران، ولأن مي كانت تعرف جيداً المحرك من وراء ذلك كانت تضحك، وكأي امرأة مثار إعجاب الجميع لم تكن مي ترفض مثل هذه المداعبات، كما كانت تستلذ بغيرة العقاد عليها، ففي رسالة بعثتها له من برلين في 30 أغسطس عام 1925، تقول رداً على رسالته التي أعلن فيها حبه وإعجابه «إن ما تشعر به نحوي هو نفس ما شعرتُ به نحوك منذ أول رسالة كتبتها إليك وأنت في بلدتك التاريخية أسوان، بل إنني خشيتُ أن أفاتحك بشعوري نحوك منذ زمن بعيد، منذ أول مرة رأيتك فيها بدار جريدة (المحروسة)، إن الحياء منعني، وقد ظننتُ أن اختلاطي بالزملاء يثير حمية الغضب عندك، والآن عرفتُ شعورك، وعرفتُ لماذا لا تميل إلى جبران خليل جبران».