السبت - 20 أبريل 2024
السبت - 20 أبريل 2024

ابن صياد السمك

أن تعيش في الغابة ألطف مليون مرة من أن تسكن في القصر مع من لا تحب بالمرة، وأن تمتلك قلباً واقفاً لم ينبض قط أفضل من قلب وظيفته النبض فقط، فقد يكون الأول تحت التراب لكنه يعيش فينا، وقد يكون الثاني فوق التراب لكنه ميت بيننا، حيث تكمن القوة في ضعف المشاعر ورقتها، بينما يكمن الضعف في مدى شدتها وقسوتها، ولهذا أحياناً يأتي الانتصار على هيئة خسارة، في حين تأتي الخسارة على هيئة انتصار، فلولا الصمت الذي يفصل بين النغمات والأهازيج، لما سمعنا من الموسيقى إلا الضوضاء والضجيج!
في ذلك الزمن البعيد والحضارات العريقة، وسط العصور الوسطى وظلماتها المعيقة، كاد اسمه يطفو فوق ذاكرة الموسيقى، وكأنه ليس بشراً مثلنا في الحقيقة، «بيرديجون» الملحن الرائع بل الأكثر من رائع بكثير، والذي مازال العالم اليوم يجهل عنه الكثير، لكنه آنذاك حظي باحترام وإعجاب المعاصرين، كلما وصف بألحانه آلام المعصورين! ومع أن سيرته الذاتية مرتبكة وغير واضحة فيما يتعلق ببعض البيانات، إلا أنه قد ثبّت قدميه بقوة في زمننا رغم أنف السنوات! حيث تغاضى الباحثون عن تلك التناقضات، وتجاهلوا جميع الاعتراضات، في سبيل النهوض بما تبقى من أهم وأجمل أعماله، دون النظر إلى نقص المصدر أو عدم اكتماله، فالبعض أكد أن بيرديجون كان عازف الكمان الخبير، وصاحب الصيت المعروف والشهير، وربما أقسم البعض أنه كان الشاعر المفضل والكبير، بينما اتفق الجميع ومن دون ريب أو شك على أنه كان حتماً ابن صياد السمك.
للأسف في الفترة المتراوحة بين 1190 إلى 1220، ولا أحد يعلم إن كان شهر شباط أو تشرين، ترك خلفه نحو 14 من الأعمال النصيرة! بعدما فارقت روحه جسده في هذه المدة القصيرة، أي خلال 30 عاماً بالتمام والكمال، وصل بها الحد الأقرب من الكمال، ليبقى الدليل أننا ما زلنا نبحث عن الدليل!