الجمعة - 19 أبريل 2024
الجمعة - 19 أبريل 2024

مقاصد الفلاسفة

خطر ببالي أن أطلق على هذا المقال اسم «دعونا نتفلسف» فخفت أن يُفهم المضمون خطأً قبل قراءته، والذي هو ببساطة تساؤل تراءى لي بعد قراءات لعدد من أهم الفلاسفة في التاريخ منذ اليونان والإغريق لقرننا الحاضر.

فجميعها رغم تباين نظرياتها أرادت أن تفهم وتعي ما هو الإنسان وما هي الطبيعة والكون والعدم والظواهر، كما سعت لاستنباط الإجابات والتدليل عليها بما يراه العقل ويستدركه كما رأى هيغل رائد المنهج الجدلي والمثالية الألمانية.

هل الفلسفة وجود أم هي بحث بالوجود؟.. كما سعى لذلك الدنماركي سورين كيركجارد، وعُرف هذا الاتجاه لاحقاً بالوجودية التي سعت لأن يكون الإنسان محور اهتمامها وأولوياتها، فيما أحدث كانط ثورة فلسفية تعد قاعدة لكل فلسفة كما وصفها ديورانت، وسعى لفهم مستقل بشأن الزمان والمكان والمادة والخالق والحرية والإرادة والوجود، رافضاً الإقرار بالمفاهيم السائدة، وساعياً لأن يكون العقل أساساً للعلم، فعقل الإنسان هو ما يمنح القوانين للطبيعة من خلال اشتغاله وتصوراته وأفكاره واستدلالاته.


كثيرون تساءلوا رافضين المطلق في الأخذ بالمسلمات التي تراها الشعوب لا تمس، وبديهية عزوها لما وراء الطبيعة، فيما بقي الفلاسفة يرفضون التسليم وبإصرار على إدراك الحقيقية عبر المعرفة، التي يسيرها التفكر والاستقصاء، مستفيدين من قدرات العقل البشري اللامحدودة وغير المقيدة بالمحظورات.


ينظر للفلسفة على أنها علم التلاعب بالكلام، والتساؤلات المسرفة، لكن العلم والتاريخ يثبتان عكس ذلك، فهي أم العلوم، والدافع لتطور الإنسان وتعلمه واكتشافاته وتقدمه العلمي والفكري، فلولا علامات الاستفهام التي طُرحت والمنطق لما كان للعلماء أن يبنوا أسس علم الفيزياء والرياضيات والبيولوجيا والفلك وغيرها، ولولا كتاباتهم لما قامت حضارة الإغريق واليونان الفريدة بتأملات ورؤى هيراقليطس وسقراط وأفلاطون وأرسطو، ومنها لعصر النهضة الأوروبي الذي سبقته كتابات جون لوك وروسو ولاحقاً نيتشه وماركس وأنجلز وشوبنهاور وديكارت وهيغل وفولتير وكانط، ولاحقاً الفرنسيين سارتر وكامو، والإنجليزي برتراند راسل، الذي رأى بالفلسفة تأملات عن الموضوعات التي لم تستطع المعرفة العلمية أن تحسمها، فالعلم يدور حول ما نعرفه، بخلاف الفلسفة التي تتمحور حول مالا نعرفه.

جميعهم، ومعهم الفلاسفة العرب والمسلمون وغيرهم، استغلوا العقل للاستكشاف، ومهدوا لمن جاء معهم وبعدهم الوصول إلى ما تصبو إليه الأمم من تقدم وتطور بشتى الصعد والعلوم، فالفلسفة تتأمل وتفكر بماهية الأشياء، فيما يقوم العلم بإثبات صحتها من عدمها.