الخميس - 18 أبريل 2024
الخميس - 18 أبريل 2024

إيران والخيار النووي الياباني

كعادتها دوماً تغزل إيران على المتناقضات، وتجيد العزف السيئ على الظاهرة المتضادة، وربما هذا ما فعلته في الأسبوعين الأخيرين حين أعلنت عن رفع درجة تخصيب اليورانيوم، والأخطر من ذلك أنها عمدت من جديد إلى تفعيل العمل في مفاعل «فوردو» الأكثر سرية والوحدة الأكثر خطورة في برنامجها النووي العسكري، ودع عنك أكاذيب الملالي عن الطاقة النووية السلمية.

تجاوزت إيران كل ما هو مسموح لها به في الاتفاق النووي، وهي بهذا تمضي في طريقين: الأول هو تفعيل المواجهة مع الجانب الأمريكي، وهي تدرك تمام الإدراك أن الداخل الأمريكي منشغل جداً في الآونة الأخيرة بأزمة عزل الرئيس دونالد ترامب، والتي خرجت إلى النور، الأمر الذي سيجعل تركيز الرجل منصب على القضايا المحلية بأكثر من تفعيل المواجهة مع إيران.

والثاني هو ابتزاز دول الاتحاد الأوربي من خلال الضغط المستمر عليها بتخفيض الالتزامات النووية طالما لم تجد أوروبا طريقة أو آلية مالية تعزز وضع الاقتصاد الإيراني في مواجهة الضغوطات الأمريكية الأقصى والعقوبات الاقتصادية غير المسبوقة.

لا أحد يصدق إيران في العلن أو الخفاء، في الجهر أو السر، وخير دليل على ذلك تصريحات وزير الخارجية محمد جواد ظريف قبل فترة، والتي أشار فيها إلى أن «أمريكا لن تسمح أبداً لإيران بأن تدخل إلى النادي النووي من الباب الأمامي، وبذلك وجب على طهران القفز من السياج».

الأسبوع الماضي وجد خبراء وكالة الطاقة الذرية آثار يورانيوم مخصب في مواقع غير مضمنه في البرنامج النووي الإيراني السلمي على حد تعبير إيران، الأمر الذي طرح علامة استفهام عن غير المعروف والمخبأ من أجزاء البرنامج النووي الخاص بالمرشد علي خامنئي، الأمر الذي يعني القفز من على السياج، كما يشير إلى ذلك ظريف.

ما الذي يجعل الصدام الأمريكي الإيراني قادم لا محالة؟

باختصار غير مخل يدرك الإيرانيون أن الولايات المتحدة الأمريكية، لا سيما في زمن دونالد ترامب لا تسعى إلى إنهاء البرنامج النووي الإيراني فقط، بل تسعى إلى إنهاء وجودهم السياسي من جذوره.

وعلى الجانب الأمريكي هناك اقتناع لا قناعة فيه بأن الوقت قد حان لأن ينتهي نظام ثيؤولوجي صدر النار والمرار والدمار للمنطقة الخليجية وللشرق الأوسط، وبات رجالات واشنطن مقتنعون بأن هدف إيران الرئيس هو تحويل منطقة الخليج العربي إلى بحيرة إيرانية، وأن الهدف الإيراني النهائي هو طرد النفوذ الأمريكي من المنطقة مرة وإلى الأبد، ما يجعل دول المنطقة برمتها تقع في حبائل النظام الأكثر شراً في المنطقة.

ما يعجل بالصدام في تقدير صاحب هذه السطور، هو أن إيران تمضي في طريق مثير ومخيف في الوقت نفسه، طريق يعرف اختصاراً باسم «الخيار الياباني النووي».. ماذا يعني ذلك؟

باختصار غير مخل فرض استسلام اليابان للحلفاء بعد هزيمتها في الحرب العالمية الثانية عدم تكوين جيش وعدم السعي لامتلاك أسلحة تقليدية أو نووية، غير أن اليابان وفي هدوء وتؤدة أدركت عبر علومها ومعارفها، ومن خلال خبراتها التكنولوجية أسرار بناء القنبلة النووية، ولو أرادات امتلاكها لفعلت ذلك خلال 6 أشهر على أقصى تقدير.

هذا ما تقوم عليه إيران الآن، أي امتلاك بنك المعرفة والقاعدة العلمية، وتجهيز البنى التحتية، والوقوف قريباً جداً منها، ومن القدرة على تصنيع سلاحها النووي.. هل يعني ذلك شيئاً مخيفاً؟

قطعاً كل يوم تترك فيه إيران وحال سبيلها تقترب من حلمها النووي.