السبت - 20 أبريل 2024
السبت - 20 أبريل 2024

ترنيمةُ ليل الشتاء

ترنيمةُ ليل الشتاء

الساحة (4)

بقلم: مروان أحمد كاتب ـ سوريا

عندما يلجُ اللَّيلُ في النِّهارِ وتأوي الكائناتُ إلى قرارِها، وتسكنُ الدُّنيا ويخفُّ ضجيجُها، ويذوي صخبُها، وتغمضُ العيونُ المتطفِّلةُ وتصمتُ الشِّفاهُ اللَّاغية،ُ أشعرُ بجمالِ الحياةِ، فلا صوتَ يعلو فَوْقَ الصَّمتِ، ولا لونَ يطغى على السَّوادِ.

هناكَ في حلكةِ اللَّيلِ أُخرجُ قلمي وأوراقي، وأنثرُ كنانةَ الأفكارِ والمشاعرِ غيرَ قلقٍ من أن يراها أحدٌ، وأُناجي النُّجومَ دُونَ خوفٍ من أن يسترقَ السَّمعَ إنسٌ ولا جان.


ألجأُ كلَّما دخلَ اللَّيلُ إلى لجتِهِ متوارياً فيها، مستأنساً بنفسي عن النَّاسِ، وأجدني أُحالفُ اللَّيلَ أشكرُهُ على عتمتِهِ التي طالما بثثتُها شكواي وسكبتُ دموعي بين يديها، وعلى حُلكتِهِ التي ألهمتني كلماتٍ أكتبُها دُونَ مقاطعةٍ من أحدٍ.


يصبحُ للكتابةِ وقتَها رونقٌ آخرُ.. تتزاحمُ الكلماتُ والتَّراكيبُ لا يعوقُها شيءٌ سوى نومِكَ وحدَكَ، فلا تتأثَّرُ برأي فلانٍ ولا انتقادُ آخرَ، وأُعاتبُهُ على سرعةِ رحيلِهِ في الصَّيفِ فلا أكادُ أستظلُّ بِهِ حتى أجدَهُ ضاحياً لم أفرغْ منهُ.

للَّيلِ أثرٌ فاتنٌ على النَّفسِ فسماؤهُ تتزيَّنُ للنَّاظرين بلونِها ونجومِها وكواكبِها وشُهبِها، فتجلسُ تحتَها متأمِّلاً تبعثُ بجمالِها المتنسِّكَ من دِعتِهِ والكاتبَ من كبوتِهِ والمحبَّ من تشاؤمِهِ.

يا ليلَ الشِّتاءِ الطَّويلَ!! أقبلْ.. خُذْ مكانَكَ من السَّماءِ فقد ضاقَ بي ليلُ الصَّيفِ القصيرُ.. أقبلْ أريدُ أن أبثَّكَ الأحزانَ والأشجانَ.. أقبلْ ووارِ في ضمَّتِكَ البؤساءَ والمستضعفين واطمسْ على أعينِ المستكبرين فلا يَرَوْن الفقراءَ الملتحفينَ عباءتَكَ فيؤذونهم بعدمِ الإحسانِ إليهم، فليلُ الصَّيفِ لا يلبثُ أن يغدرَ بهم.

أقبلْ يا ليلُ بغبشتِكَ وعتمتِكَ، فإنَّ ضوءَ النَّهارِ يحجبُ عني رؤيةَ الأحبَّةِ في الطَّرفِ الآخرِ.