الجمعة - 29 مارس 2024
الجمعة - 29 مارس 2024

فاضت الكأس!

تشهد دول عربية انتفاضات عفوية على الفساد، أهدافها تغيير الأنظمة التي أفقرت البلاد والعباد، فالثورة مثل هيجان البحر لا تندفع إلا إذا بلغ السيل الزبى.

شهدنا ذلك مؤخراً في السودان والجزائر والعراق ولبنان، والجميل في هذه الثورات أن أصحابها مصرون على سلميتها.. يقول جين شارب: «إن النضال السلمي» المنظَّم «أمضى من السلاح وأجدى لتفكيك وهزيمة الأنظمة الفاسدة».

ورغم أوجه الشبه بين الانتفاضات العربية، فإنها في كل بلد تتخذ خصوصيات، فقد تجلى رفض تونس للنظام القائم في نتائج الانتخابات الرئاسية الأخيرة التي أتت برئيس لم يكن أحد يعرفه خلا دوائر أكاديمية ضيقة، وفي موريتانيا اتخذ الحراك طابعاً سياسياً ودستورياً أجبر الرئيس السابق على ترك الحكم.


وتجلى الحراك في الجزائر والسودان في احتجاجات سلمية عنيدة تطالب بتغيير جذري، ونجح حراك السودان في تغيير النظام، وتتولى الآن نخبة منبثقة منه الإدارة المدنية للبلاد وتسعى لتحقيق مصالحة وطنية، وتتجه الجزائر في ديسمبر المقبل إلى حل دستوري يحقق أهداف الثورة بحماية الجيش.


أما في لبنان والعراق، فالأمر ليس ثورة على أنظمة فاسدة فحسب، ولكنه أيضاً ثورة على الطائفية البغيضة وراعيها الإقليمي: إيران.

صحيح أن التدخلات الإقليمية والدولية في منطقتنا أدت إلى تفاقم الفساد والفقر وتأجج الصراعات الطائفية، لكن لا شك أيضاً أن الأنظمة القائمة في بلدان الحراك قد أكل عليها الدهر وشرب.

وأظن أن الثورات عندما تخلص لمحاربة الفساد والظلم، بعيداً عن الأيديولوجيات الضيقة، سيكون حظها من النجاح أوفر، لأنها حينئذ تصب في مصلحة الجميع.

فالثورات الإنجليزية (1215، 1641، 1688) كانت ضد الفساد والاستئثار بموارد الدولة، والثورة الأمريكية (1775 ـ 1783) قامت ضد نظام إنجليزي فاسد ثم ارتفع سقفها إلى المطالبة بالاستقلال، والثورة الفرنسية (1789) بدأت عفوية ضد الفساد والظلم الذي يمثله «النظام القديم» (السياسي والكنسي)، والثورة الروسية (1917) كانت أيضاً عفوية في بدايتها ضد الفساد، وكذلك كانت الثورات التي انطلقت من بولندا 1989 واكتسحت أوروبا الشرقية.

يصعب أن تجد ثورة نجحت إذا لم تكن ضد الظلم والفساد، فهنا تكمن شرعيتها، فالشرعية لا ترتبط بنظام سياسي معين، بل هي رابطة بين الحاكم والمحكوم بغض النظر عن الفلسفة السياسية، وهذه الرابطة تنتهي عندما يعم الفساد وتفيض الكأس.