الجمعة - 29 مارس 2024
الجمعة - 29 مارس 2024

سفارات.. وشماعات

جاهزة تحت الطلب، لم تتغير منذ عقود طويلة، وصفة تدخل السفارات الأجنبية في أي احتجاجات أو مطالب شعبية، هي وصفة برغم أنها أصبحت مهترئة، إلا أن هناك مَن لا يزال يرى أنها صالحة لتبرير الفشل ورفع الحرج عن البعض، ممن نسوا أن مناصبهم جاءت لخدمة الناس لا لخدمة مصالحهم ومعارفهم، وهم بذلك يزيدون احتقاناً فوق الاحتقان، إذ لم يكتفوا بتجاهل مطالب شعوبهم، بل لجؤوا إلى اتهامها بالعمل لصالح دول أخرى!

العالم من غربه إلى شرقه شهد احتجاجات ومظاهرات شعبية تعاملت معها الحكومات إما بالمنطق وكياسة السياسية أو بلغة العنف والقوة، ولكن لم يخرج أحد ليتهم شعبه بأنه مأجور لسفارات أجنبية تحركه كقطع الشطرنج، وهنا نتحدث عن الحشود التي تملأ الشوارع لا معارضات الفنادق والمهجر، فالحال مختلف والقضية حمالة أوجه.

الجميع يدرك أن الاحتجاجات الشعبية المطالبة بتحسين الظروف الاقتصادية والعدالة الاجتماعية وتوفير فرص العمل، هي احتجاجات لا يمكن تفسيرها بأي حال من الأحوال بأنها احتجاجات مرتبطة بالخارج أو توجهها سفارات أجنبية، فسوء الأوضاع وضنك العيش يقفان وراء حشد الشارع، وتجاهل المطالب والتعامل مع الناس بلغة التعالي يؤديان إلى رفع سقف المطالب إلى المطالبة بالتغيير السياسي.


شماعة السفارات الأجنبية والتدخلات الخارجية لم تعُد تجدي نفعاً، بل قد تكون كالزيت الذي يُصب على النار، فالمحتج الذي خرج آملاً بتغيير حاله وتحسين ظروفه أصبح متهماً بالعمالة لجهات خارجية، ففوق سوء الحال يوصم بالخيانة.. فهل هذا المحتج سيعود إلى بيته بعد هزلية الوصفة التي بات البعض مدمناً عليها، أم أنه أُعطي ذخيرة إضافية لتصعيد احتجاجه ومطالبه؟


تحشيد وسائل إعلامية موالية لبعض السياسيين وتحريك ماكينتها الدعائية للترويج بأن المحتجين يتلقون دعماً خارجياً، هي حجة تحسب على السلطة الحاكمة لا لها، فإذا كان المحتجون ممولين من الخارج فتلك مصيبة، لأنها تعني أن السلطات في هذه الحالة فاشلة، وساحتها الداخلية مخترقة.

بالمختصر، شماعة السفارات شماعة مكسورة، ومَن خرج إلى الشارع خرج بحثاً عن الخبز، ولو تم التركيز على التنمية وتحسين ظروف الناس وتوفير فرص العمل والتعليم، لما وجدنا أحداً في الشارع.