السبت - 20 أبريل 2024
السبت - 20 أبريل 2024

قرارات بعيدة الأمد

قد يعطي الله بعض عباده بصيرة لإدارك المآلات البعيدة، فتراه يتخذ قرارات نافعة يظهر أثرها الجميل بعد سنوات طويلة، ومن الأمثلة على ذلك قصة يوسف عليه الصلاة والسلام لما عبّر الرؤيا للملك، فأوصاه بزراعة سبع سنين مع تخزين الحصاد لقدوم أيام القحط بعد ذلك، وهكذا الموفق من عباد الله إذا تولى مسؤولية نظر بنظرة بعيدة ثاقبة، أما القرارات الارتجالية فهي مثل السراب الخادع، عاقبتها بعد سنوات وخيمة للغاية.

يمكن تطبيق القرارات البعيدة والتي تلزمها استراتيجية تطبق على مدى عقود على قطاع التعليم والصحة بشكل واضح جدا، فتعزيز اللغة العربية في نفوس الأجيال الناشئة له أثر إيجابي بعد عدة سنوات، من ناحية اعتزاز الطفل بهويته العربية الإسلامية، ونظرته إلى ثقافته نظرة فخر واعتزاز، كما أن إلمامه باللغة العربية سيكون رافدا لترجمة بعض الخبرات الأجنبية إليها، ومثل ذلك أيضا غرس الأخلاق الإسلامية العربية في نفوس الأطفال الصغار من ناحية احترام الكبير والرحمة بالصغير، ومساعدة الضعيف والمحتاج والكرم والشجاعة وغير ذلك، فإن المجتمع سيجني النتائج الطيبة بعد سنوات يسيرة من وجود أجيال تربت على المسؤولية الأخلاقية والمجتمعية.

وأما إن هدمت القيم والمبادئ ولم يتم الاستثمار الجيد في الجانب التربوي بحجة توفير الميزانية أو نقصها أو بحجة التركيز على العلوم التطبيقية البحتة، دون النظر إلى القيم والأخلاق فالكارثة ستكون كبيرة بعد عدة سنوات، وأما في جانب الصحة فمن أوضح صور القرارات بعيدة الأمد العمل على الجانب الوقائي، فهذا الجانب أهم من الجانب العلاجي، لذا يمكن أن تُتخذ بعض القرارات وتكون سببا في الوقاية من أمراض خطيرة، بل بالوقاية إن شاء الله سيتم توفير ميزانيات ضخمة من الجانب العلاجي، فالسعي مثلا للحد من مشكلة التدخين ستكون له نتائج إيجابية لا تقدر بثمن، والسعي لتشجيع المجتمع على المشي والحركة ستخفض الكلفة العلاجية للأمراض المترتبة على قلة المشي والحركة.


إن المقصود بالنظر إلى قرارات بعيدة يعود أثرها على المجتمع ولو بعد سنوات، والأمر يتطلب أمانة كبرى من كل مسؤول وثق فيه ولاة الأمر فيجب عليه أن ينظر إلى المصلحة البعيدة، فمن المؤلم جدا أن ترى مسؤولا لا يمكنه أن يتصور المستقبل بل تراه يسخر منك إن حدثته عن مثل هذه المواضيع!.