الجمعة - 26 أبريل 2024
الجمعة - 26 أبريل 2024

سياسات البنوك المركزية لمحاربة الركود تهدد بتبخر مدخرات المودعين

تهدد الفائدة الصفرية والسالبة أموال المودعين في الاقتصاديات الكبرى من البنوك المركزية إلى السندات الحكومية ومنها إلى إيداعات البنوك التجارية، بعد أن اصابت الأزمة المالية العالمية في عام 2008 الكثير من الاقتصاديات ولاسيما الاقتصاديات المتقدمة بإدمان اسعار الفائدة الصفرية التي أصبحت السهم الأخير في جعبة البنوك المركزية حول العالم لوقف زحف غول الركود الاقتصادي الذي رفض الاستجابة للتخفيضات المتوالية في أسعار الفائدة.

وبحسب إحصاءات صندوق النقد الدولي هناك 20 بنكا مركزيا حول العالم يطبق معدلات فائدة سلبية على الودائع في البنوك التجارية، هي النمسا وبلجيكا وبلغاريا وقبرص وإستونيا وفنلندا وفرنسا وألمانيا واليونان وإيرلندا وإيطاليا ولاتفيا وليتوانيا ولوكمسبورج ومالطا وهولندا والبرتغال وسلوفاكيا وسلوفينيا وإسبانيا.

واغلب هذه الدول جميعها أوروبية باستثناء اليابان، بينما تطبق البنوك المركزية في أربع دول هي اليابان والسويد والدنمارك وسويسرا فائدة سالبة أقل من الصفر.


ويعد سعر الفائدة الأداة الرئيسة في يد البنوك المركزية لضبط السياسة النقدية للبلاد، حيث يرفع البنك المركزي الفائدة عادة عندما تزيد نسبة التضخم في الاقتصاد وترتفع أسعار السلع والخدمات، وتؤدي هذه الخطوة إلى إقبال الأفراد على الإيداع، ما يسحب السيولة من خارج القطاع المصرفي وبالتالي يتراجع الإنفاق والطلب على الاستهلاك وينخفض التضخم، وعلى العكس من ذلك تلجأ البنوك المركزية في حالة الركود إلى خفض سعر الفائدة لتشجيع الاقتراض والاستثمار وزيادة الانفاق والاستهلاك.


وتعتبر الفائدة السلبية من بين الأدوات غير التقليدية للسياسة النقدية التي لجأت إليها هذه الدول بعد أن فشلت الحلول الأخرى، خصوصا دول الاتحاد الأوروبي التي تعاني نسب نمو ضعيفة، وانخفاضا في معدلات الاستهلاك. وتسعى هذه الدول من خلال تطبيق أسعار فائدة سلبية إلى إرغام البنوك التجارية على عدم الاحتفاظ برؤوس الأموال وضخها في النظام الاقتصادي لتخفيض كلفة الاقتراض وتشجيع الشركات والأفراد على الاستثمار والاستهلاك.

وباختصار شديد فان تطبيق الفائدة الصفرية أو السالبة التي كان البنك المركزي الأوروبي اول من طبقها في عام 2004 يجبر المودعين من ناحية على سحب أموالهم أو جزء منها لإنفاقها ستقل، لأن البنك سيأخذ عليها فائدة بدلا من أن يعطي فوائد العميل، ومن ناحية اخري يشجع الأفراد والشركات على الاقتراض لزيادة استثماراتهم، وبالتالي دوران عجلة الإنتاج وزيادة الاستثمارات والنشاط الاقتصادي، وخلق وظائف جديدة وبالتالي خفض معدلات البطالة.

ورغم أن تطبيق سعر الفائدة السلبية يمكن ان يؤدي لزيادة الاتفاق على الأقل في المدى القصير، إلا أن هذه الخطوة يمكن أن تؤثر على أرباح البنوك التي لن تجد من يقبل عليها للاقتراض، وبالتالي تأثير ذلك على أموال المودعين التي ربما تتآكل بمرور الوقت مع تحول البنوك إلى الخسائر وربما إفلاس بعضها.

وفي المقابل فان رفع سعر الفائدة، ينطوي على عدد من السلبيات في مقدمتها زيادة حركة الأموال الساخنة التي تدخل في قطاعات غير إنتاجية كالبنوك والأسهم والسندات، وتخوف المستثمرين من الدخول للسوق في ظل ارتفاع تكلفة الإقراض، ودفع كثير من الشركات لتأجيل توسعاتها وعدم القيام بمشروعات جديدة، بالتالي تراجع معدلات الاقتراض من البنوك.

وتشمل قائمة السلبيات أيضا رفع العائد على أذون وسندات الخزانة وهو ما يؤدي في النهاية إلى تفاقم الدين المحلي، إضافة إلى حجب أموال المستثمرين عن المساهمة في عمليات التنمية، بسبب زيادة أعباء تكلفة الإقراض على القطاع الخاص، فيتجه المستثمر المحلي إلى وضع الأموال في البنوك، لأنها أكثر جدوى وفائدة من استثمارها في أي شكل آخر.

كما يؤثر رفع الفائدة على البورصات أيضا، حيث تتسرب السيولة من الأسهم إلى الودائع بحثا عن الملاذ الآمن أو إحجام المستثمرين الذين يقترضون للمتاجرة في الأوراق المالية عن الاقتراض في ظل الفائدة المرتفعة.

وتؤكد، ورقة بحثية بعنوان "تمكين معدلات الفائدة السالبة من محاربة الانكماش" اعدها أستاذ الاقتصاد في جامعة كولورادو، مايلز كيمبال بالتعاون مع الاقتصادي في صندوق النقد الدولي ريتشار أجرول، إن الفوائد السالبة تعطي إشارة خاطئة بالكامل وتؤدي إلى هروب المدخرات

ويقترح "كيمبال" أن تحفز البنوك المركزية البنوك التجارية على ضمان معدلات فائدة غير سالبة على حسابات الادخار والحسابات المصرفية الأصغر حجماً، وجعل الفائدة صفرية على للشركات والأثرياء، ولابد ألا يكون هناك معدلات فائدة سالبة للأشخاص أصحاب الإمكانات المحدودة.

وفي المقابل يطالب رئيس بنك "مورغان ستانلي" جيمس جورمان البنوك المركزية بتطبيق رسوم على عمليات سحب الأموال، معتبراً أنه عبر تنويع الرسوم على النافذة النقدية يمكن للبنك المركزي أن يدفع النظام للعمل عند أي معدل فائدة سلبي يختاره.

ورغم ان بعض البنوك التجارية تحاول التغلب على سلبيات الفائدة السالبة من خلال حصر تطبيقها على الإيداعات الكبيرة التي تتجاوز عدة ملايين، إلا ان مواصلة هذا النهج سيطال في نهاية الأمر حسابات صغار المودعين، الذين لن يكون أمامهم في نهاية الأمر سوى الاحتفاظ بالأموال الحقيقية وتخزينها تحت الفراش أو دفنها في الحديقة، وهناك دلائل بالفعل على أن الأفراد أصبحوا يخزنون العملات الفعلية.

وبالطبع فان وضع المدخرات تحت البلاطة ليس الحل الأمثل للهروب من تأثيرات الفوائد الصفرية والسالبة فمن الممكن أن تتعرض للسطو أو التلف او الضياع، وربما كانت هذه المخاوف وراء ارتفاع سعر الذهب بنسبة 25% في أخر 12 شهراً، وتنامي الاقبال على العملات الافتراضية وبصفة خاصة البتكوين التي بات الكثير من المدخرين يعترونها أكثر امنا.