الاحد - 05 مايو 2024
الاحد - 05 مايو 2024

تركيا تتجاهل قانون البحار وتبدأ التنقيب بالقوة عن الغاز

تركيا تتجاهل قانون البحار وتبدأ التنقيب بالقوة عن الغاز
دخل الصراع حول ثروات الغاز الطبيعي الضخمة في شرق البحر المتوسط، الذي يضم نحو ثلث الاحتياطي العالمي المؤكد من الغاز، مرحلة جديدة من التصعيد، بعدما أعلن وزير الطاقة التركي فاتح دونماز أن سفينة الحفر التركية «ياووز» وهي رابع سفينة تنقيب تعمل في حماية السفن الحربية التركية، بدأت الحفر جنوبي غرب قبرص، وهو ما يمكن أن يؤدي إلى مواجهة عسكرية مفتوحة بين تركيا من ناحية وكل من اليونان ومصر وإسرائيل من ناحية أخرى.وحذر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان مراراً وتكراراً شركات البترول العالمية من المشاركة في عمليات التنقيب التي تدعو إليها حكومة قبرص اليونانية، وأرفق أردوغان تحذيراته بإرسال سفن حربية تركية لمنع سفينة تنقيب تابعة لشركة إيني الإيطالية من العمل في المنطقة بالقوة في مارس من العام الماضي.

ولا ينبع الموقف التركي المتشدد من التنقيب عن الغاز من رغبة أنقرة في الحفاظ على حقوق قبرص التركية في الثروات السيادية فقط، وإنما ينبع أيضاً من حساباتها الاستراتيجية الخاصة برغبتها في أن تكون مركزاً إقليمياً لتجارة الطاقة وسعيها لتأمين مصادر طاقة بديلة تخفف من اعتمادها المفرط عل استيراد الطاقة من روسيا والتي تتجاوز نحو 85% من مجمل احتياجاتها من الطاقة.

وتضع التطلعات التركية أنقرة على طريق صدام محقق مع مصر التي تتطلع أيضاً لأن تكون مركزاً إقليمياً لتجارة الطاقة بعد اكتشاف كميات كبيرة من الغاز في حقل ظهر وامتلاك مصر لمحطات تسييل للغاز جعلتها مؤهلة أكثر من تركيا للعب هذا الدور الحيوي الذي يغير توازنات القوى في المنطقة.




وقد دعمت مصر موقفها من خلال توقيع اتفاقية مع قبرص التركية لنقل الغاز من حقل «أفروديت» القبرصي إلى محطات التسييل المصرية، تمهيداً لتصديره إلى أوروبا، كما قادت أيضاً جهود تأسيس منتدى شرق البحر المتوسط، وهو تكتل إقليمي يضم في عضويته كلاً من مصر وإسرائيل والأردن واليونان وتركيا والسلطة الفلسطينية ويهدف لتأسيس سوق إقليمي للغاز الطبيعي.

ويحول هذا المنتدى منطقة الشرق الأوسط التي تضم نحو 30% من إجمالي الاحتياطي العالمي المؤكد من الغاز، من منطقة كانت حتى الأمس القريب تلهث وراء استيراد الغاز الطبيعي لسد احتياجاتها إلى منطقة قادرة على تصدير الغاز إلى بقية دول العالم، وبصفة خاصة الأسواق الأوروبية الآسيوية بكل ما يعنيه ذلك من تحولات في الاقتصاد العالمي وحركة التجارة الدولية.

ويصف الاتحاد الأوروبي وأمريكا أنشطة التنقيب التركية بأنها غير شرعية واستفزازية وتنتهك الحقوق السيادية لجمهورية قبرص اليونانية المعترف بها دولياً، ويهددان بفرض عقوبات على تركيا إذا مضت قدماً في أنشطة التنقيب.

ويلقي الاتحاد الأوروبي بثقله وراء قبرص اليونانية في مواجهة تركيا لأنه يرى في موارد الغاز الطبيعي القبرصي مصدراً بديلاً للغاز الروسي يمكن أن يوفر احتياجات القارة الأوروبية من الغاز لـ100 عام قادمة، وهو مطلب أمريكي أيضاً من منظور تقليص النفوذ الاستراتيجي لروسيا على الساحة الدولية، ولا سيما في أسواق الطاقة.

وقد ذهب الاتحاد الأوروبي إلى حد تجميد اتفاقية حقوق النقل الجوي الشاملة مع أنقرة عقاباً لتركيا وطالب بنك الاستثمار الأوروبي وهو أكبر مقرض متعدد الأطراف في العالم لمراجعة كافة أنشطته التمويلية في تركيا.

وفي المقابل، فإن تركيا التي حذرت شركات البترول العالمية ومن بينها «توتال» و«أكسون موبيل» و«نوبل إنريجي» و«إيني» من المشاركة في عمليات التنقيب البحرية قبالة سواحل قبرص، تصر على أن ما تقوم به شرعي وقانوني للحفاظ على حقوق جمهورية قبرص التركية في الثروات الطبيعية المكتشفة، مؤكدة أن أية عقوبات تفرض عليها ستزيدها تصميماً على المضي قدماً في أنشطة التنقيب.

وتحول عقود من الصراعات السياسية التي شكلت العلاقات السياسية بين دول المنطقة دون ترسيم الحدود البرية والبحرية بين دول المنطقة، ما يحول دون استغلال الثروات الطبيعية الضخمة الكامنة على الحدود المشتركة.

ورغم أن النزاع بدأ في التصاعد في أعقاب اكتشاف كميات ضخمة من الغاز في منطقة شرق المتوسط، إلا أن جذوره تكمن في اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار ذاتها، والتي منحت كل دولة مسافة 12 ميلاً بحرياً كمياه إقليمية، فيما منحتها نحو 200 ميل بحري كمنطقة اقتصادية يحق لها فيها صيد الأسماك واستخراج المعادن والتنقيب عن موارد الطاقة.

وتصبح نصوص الاتفاقية سبباً في النزاع في الحالات التي تقل فيها المسافة الفاصلة بين شواطئ دولتين متقابلتين عن 424 ميلاً بحرياً، ما يفرض عليهما الاتفاق عل تعيين خط فاصل افتراضي بين المنطقة الاقتصادية لكل منهما.

وترفض تركيا القبول بالاتفاقية التي تري أنها تعطي حقاً أكبر للجذر على حساب الدول، وتستند في شرعية ممارستها لأنشطة التنقيب في المنطقة إلى حقوق جرفها القاري، وهو مناطق قاع البحر وما تحته من طبقات متصلة بالشاطئ تمتد خارج البحر الإقليمي إلى عمق 200 متر أو إلى ما يتعدى هذا الحد إلى حيث يسمح عمق المياه باستغلال الموارد الطبيعية لهذه المنطقة، بحسب المادة الأولى من اتفاقية جنيف لعام 1958.

ويبدو تكالب مختلف الأطراف على تأمين حصتها من غاز منطقة شرق المتوسط التي تضم نحو 30% من إجمالي احتياطي الغاز العالمي المؤكد مفهوماً على ضوء تقديرات وكالة الطاقة الدولية التي تشير إلى أن الطلب العالمي على الغاز سينمو بنسبة 9% سنوياً نتيجة تحول الكثير من الدول عن استخدام الفحم والطاقة النووية، وهو ما يعني زيادة في الطلب على الغاز تقدر بنحو 150 مليار متر مكعب خلال السنوات الخمس المقبلة.

وتشير التقديرات إلى زيادة الطلب العالمي على الغاز الطبيعي وبصفة خاصة الغاز المسال، حيث زادت واردات أكبر 5 اقتصادات آسيوية من الغاز بنسبة 12% في عام 2018، واستحوذت الصين وحدها على نحو 80% من الطلب.

وسيرتفع الطلب على الغاز في منطقة الشرق الأوسط من 47 مليار قدم مكعبة عام 2015 إلى 73 مليار قدم مكعبة عام 2035، نتيجة التوسع في بناء المدن الجديدة، والحاجة إلى مزيد من محطات تحلية المياه، ومواجهة تداعيات التغيرات المناخية، فيما سيرتفع نصيب الطاقة المتجددة ضمن مزيج الطاقة في دول المنطقة من 1% فقط حالياً إلى أكثر من 8% بحلول عام 2040، وسيزيح الغاز الطبيعي الذي سيشكل نحو 60% من استهلاك الطاقة في الشرق الأوسط البترول عن عرش الطاقة في الشرق الأوسط بحلول عام 2040.