الاحد - 05 مايو 2024
الاحد - 05 مايو 2024

هل ينقذ العالم الثالث مستقبل الاقتصاد الألماني؟

هل ينقذ العالم الثالث مستقبل الاقتصاد الألماني؟

«اصنع مستقبلك ونجاحك في ألمانيا».. عنوان البوابة الإلكترونية الجديدة التي دشنتها الحكومة الألمانية للإعلان عن بدء تنفيذ قانون هجرة العمالة المتخصصة الذي سيدخل حيز التطبيق في الأول من مارس المقبل، فهل ستستطيع ألمانيا أن تسوق نفسها على أنها «أرض الأحلام»، وهل القانون الذي يرغب في عمالة متخصصة وجلب كفاءات من دول العالم الثالث ومن ضمنها العالم العربي، سيساهم في إنقاذ مستقبل الاقتصاد الألماني، الذي يعاني بشدة من نقص العمالة الماهرة والمتخصصة؟.

المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، ترى أن القانون مرحلة فارقة في تاريخ ألمانيا، وأنه طال انتظاره، حيث عمل عليه لسنوات رجال الحكومة والأحزاب والاقتصاديون ورجال الصناعة والتجارة، حتى قاموا بتقديمه في مقر المستشارية منتصف ديسمبر الماضي. فمواد القانون تسهل إجراءات التأشيرة في وقت لا يتعدى الشهر ونصف الشهر، كما أنه يتيح الفرصة للباحث عن عمل، أن يأتي بنفسه لألمانيا لمدة 6 أشهر على نفقته الخاصة للبحث بصورة مباشرة وعبر مراكز أنشئت خصيصاً لتسهيل تطبيق القانون، وبشروط منها معرفة عامة باللغة الألمانية، وشهادة معترف بها تكون معادلة للشهادات في الجامعات والمعاهد الألمانية.

والذي أدى لظهور القانون الصرخات التحذيرية الشديدة من مختف الجهات بنقص العمالة الماهرة، ومنها صرخات غرفة التجارة و الصناعة الألمانية ومكتب العمل، بأن نقص العمالة الماهرة في عدد كبير من القطاعات الاقتصادية قد ينذر بانهيار هذه الصناعات، ويؤدي إلى تراجع النمو الاقتصادي في المستقبل بصورة خطيرة.

فعلى سبيل المثال بولاية «النورد راين فستفاليا» هناك 8 آلاف وظيفة خالية لا تجد من يشغلها، وفي ولاية «هيسن» سيكون هناك نقص بمقدار 400 ألف عامل مؤهل بحلول عام 2030 في عدة قطاعات، مثل تكنولوجيا المعلومات، قطاع الصحة والتمريض، الهندسة، وقطاع التعليم وغيرها.

فالاقتصاد الألماني يعتمد بشدة على المهاجرين، إذ 16% من أصحاب التأمين الاجتماعي الإجباري لا يحملون جنسية ألمانية، بخلاف غيرهم من أصحاب الجنسية الألمانية من ذوي الأصول المهاجرة.

فألمانيا تحتاج سنويا إلى 400 ألف عامل ومتخصص من الخارج، أي ضعف الذي يأتي حالياً سنوياً، لدرجة أن بعض المحللين وصفوا عام 2020 بأنه سيكون عام الهجرة المتخصصة، وأنه على الشعب الألماني تقبل أن تكون ألمانيا دولة هجرة، ولا بد من تغيير الثقافة بأن الأجانب قادمون لغزو وظائفنا.

إلا أن هناك انتقادات كبيرة للقانون الجديد، أبرزها تصريحات رئيس المكتب الاتحادي للهجرة واللاجئين، هانس زومر، بأن «التوقعات من القانون ستكون مخيبة، لأنه كان من المفترض أن يهدف لجلب الكفاءات المختلفة من داخل أوروبا، وليس خارجها، وتساءل لماذا اللجوء للعالم الثالث والدول النامية، في الوقت الذي ستتضرر فيه هذه الدول من نزوح الكفاءات لديها. وأيضاً سينتج عن ذلك قوارب لجوء جديدة لأوروبا».

وكثير من وسائل الإعلام الألمانية تشاطره الرأي وتثير الشكوك تجاه نجاح القانون، وأن هناك فرقاً كبيراً بين النظرية والتطبيق على أرض الواقع، خاصة في ظل البيروقراطية الألمانية المعروفة، وأن قوانين العمل الألمانية تحتاج لما يشبه «الثورة»، وضرورة تقديم ألمانيا كما هي للقادمين، خاصة من الدول العربية، لأنهم يرون فيما بعد فرقاً كبيراً بين أحلامهم والواقع على الأرض. وأن ألمانيا ليست بحاجة لمزيد من الأشخاص العاطلين عن العمل، خوفاً من تحول القادمين عبر القانون إلى الإحباط من المرتبات والبيئات المحيطة، ليتحولوا من مهندسين إلى سائقي تاكسي، ثم ينتهي بهم الحال للحصول على إعانات بطالة.

من جانبه، يؤكد الباحث بمعهد أبحاث الوظائف وسوق العمل الألماني، فيليب جوشكه، في تصريحات خاصة لـ«الرؤية»، أن كل هذه الانتقادات في محلها و لكن ذلك لا يقلل من أهمية القانون الذي يراه خطوة على الطريق الصحيح. معبراً عن أنه سيأتي مهاجرون ولكن أقل من العدد المطلوب من الأيادي المتخصصة التي تحتاجها ألمانيا، وأن ذلك يعد عقبة من العقبات التي تقف ضد تحقيق القانون لأهدافه.

وأكد أن القانون مفتوح لدول العالم الثالث كلها، وأن هناك عقولاً عربية ترغب ألمانيا في الاستفادة منها، ولكن العقبة الأكبر من وجهة نظره تكمن في ضرورة أن يمتلك الشخص شهادة جامعية أو شهادات متخصصة تقرها السلطات الألمانية، وذلك يختلف في دول عربية و نامية، على سبيل المثال المتخصص في أعمال النجارة بالعالم العربي ليس بالضرورة أن يكون متخرجاً من جامعات و معاهد رسمية، ولكن ربما يكون اكتسبها بالممارسة ويمتلك قدرات عالية فيها. وأشار «جوشكه» إلى أن هناك عقبة أخرى وهي اللغة الألمانية وضرورة تعلم أساسياتها، ما يعقد الأمور ويقلل من أن تكون ألمانيا أقل جاذبية من غيرها مثل كندا والولايات المتحدة، لأنهم يتحدثون لغة عالمية وهي الإنكليزية، كما أن المرتبات أفضل من الإجراءات المعقدة بعد الاقتطاعات الضريبية في ألمانيا.

وعن الانتقادات بوجود أعداد كبيرة من اللاجئين ولماذا لا يتم تدريبهم لسد النقص في الوظائف أكد «جوشكه» أن طالب اللجوء يمر بعقبات قانونية، فهو طالب للحماية وليس مسموحاً له للعمل حتى يبت في أمره.

ولكنه يرى أنه لا مفر من القانون رغم عيوبه لأن هناك تغيرات ديموغرافية أيضاً قادمة على ألمانيا ولا بد من استقدام مهاجرين جدد لسد العجز، مشيراً إلى أنه ربما بعد شهور من تطبيق القانون سنرى تعديلات على بعض مواده و ربما يكون هناك استثناءات لأصحاب الخبرات وليس لحاملي الشهادات في بعض المجالات، فالمزيد سيتضح بعد دخول القانون حيز التنفيذ.