الأربعاء - 01 مايو 2024
الأربعاء - 01 مايو 2024

الأسواق العالمية تأثرت بقرار ترامب بحظر السفر لأوروبا

الأسواق العالمية تأثرت بقرار ترامب بحظر السفر لأوروبا

الأسواق العالمية تأثرت بقرار ترامب بحظر السفر لأوروبا

من «الاثنين الماضي الأسود» إلى «الخميس الأشد قساوة» ثم جاءت «الجمعة» حملت بعض المكاسب لتلطف بعض المخاوف الحارة لدى الجميع بأسواق المال بالعالم من الركود الاقتصادي المحتمل والتحذير من ذلك مع هبوط أسعار النفط وتفشي الفيروس الصيني «كورونا» وحصده المزيد من الإصابات والوفيات بدأت أركان أزمة عالمية تلوح بالأفق وهي التي ستكون أكثر حدة على الدول الكبرى كالولايات المتحدة والصين.

والأسواق العالمية خلال الأسبوع الماضي كانت بالفعل في مشهد مهيب، فبالرغم من الضغط الكبير الذي مارسه الرئيس الأمريكي ترامب من خلال تصريحاته عن الإجراءات الاحترازية للسيطرة على انتشار فيروس «كورونا» وذلك لإنقاذ الأسواق، فقد سجل مؤشر «داو جونز» أكبر تراجع يومي منذ الاثنين الأسود 1987 مما جعله يسجل خسائر أسبوعية 10.4 %، وتفصيلاً خلال الأسبوع كان أداء «داو جونز» على النحو التالي، في جلسة الاثنين هبط 2013 نقطة، وفي جلسة الثلاثاء التقط أنفاسه ليرتفع 1167 نقطة ثم في جلسة الأربعاء هبط 1464 نقطة، ويوم الخميس فقد فقد 2352 نقطة وأما الجمعة الأخيرة فقد ارتفع 1985 نقطة.

وكانت جلسة الخميس هي الأعلى خسائر بين جلسات الأسبوع حيث هبطت الأسواق الأمريكية بشكل حاد ليفقد «داو جونز» أكثر من 2300 نقطة ليصل إلى مستوى 21200 نقطة مسجلاً نسبة انخفاض 9.9% وهي أكبر خسائر يومية من حيث النسبة المئوية منذ الاثنين الأسود عام 1987.

ولتهدئة النزيف الذي رأته الأسواق الأمريكية يوم الخميس الماضي بعد الأسواق العربية التي سجلت أيضاً مستويات هبوط قياسية مع تهاوي أسعار النفط وفشل اتفاق أوبك بشأن تخفيض الإنتاج.

حاول الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تهدئة الأسواق عبر قوله بأن كل شيء سيصبح على ما يرام وبخطوة ثانية بالضغط على الفيدرالي الذي أتاح 1.5 تريليون دولار لأسواق قروض ليلة واحدة هذا الأسبوع، ولكنه في هذه المرة «لم يفلح» بحسب محللين، وذلك لأن الضغوط الاقتصادية المحتملة من انتشار الفيروس الصيني ما زالت تحاصر المستثمرين.

والأسواق العالمية تأثرت بشكل حاد بالقرار الذي اتخذه «ترامب» بالفعل يوم الأربعاء الماضي حيث أعلن عن حظر السفر من وإلى أوروبا لمدة 30 يومًا لاحتواء أزمة تفشي الفيروس الصيني الذي قررت منظمة الصحة العالمية إعلانه بأنه «وباء».

تحذيرات الركود

وبالتزامن مع ما يحدث ظهرت بعض التحذيرات والتوقعات بالركود في ظل ما اتخذته بعض الدول من إغلاق المدارس والجامعات والنقل الجماعي بل وحركة الطيران ليعش العالم بجزر منعزلة، حيث قالت رئيسة البنك المركزي الأوروبي «كريستين لاجارد» إن المتوقع أن تشهد أوروبا صدمة اقتصادية بل سيناريو يشابه سيناريو الأزمة المالية العالمية عام 2008، بحسب وكالة «بلومبرغ».

وفي ذات الاتجاه، قال كبير المستشارين الاقتصاديين في أليانز، محمد العريان في تصريحات صحافية، إن الاقتصاد العالمي في طريقه للركود بسبب «كورونا»، مؤكداً أن الأسهم الأمريكية ستواصل طريقها للتراجع وأنها لم تصل إلى القاع حتى الآن رغم الخسائر الحادة.

وعن أكبر الدول اقتصادياً، توقع أندرو هانتر كبير الاقتصاديين لدى مؤسسة الأبحاث «إيكونوميكس» انكماش اقتصاد الولايات المتحدة الأمريكية بوتيرة قوية خلال الربع الثاني من العام الجاري، مشيراً إلى أن التباعد الاجتماعي سيمنحه التعافي في نهاية 2020 مع الاحتواء المتوقع لوباء «كورونا»، بحسب مذكرة بحثية.

وبحسب موقع «ياهو فاينناس»، قال اقتصاديو «يو.بي.إس» بقيادة «سيث كاربنتر» إن الفيروس الذي بدأ في الصين تسبب في صدمات سلبية ومنها خفض أسعار النفط التي تمثل خطراً فعلياً على اقتصاد الولايات المتحدة الأمريكية.

وتجاوز عدد الإصابات بالفيروس الصيني إلى الآن 120 ألف حالة، بالإضافة إلى تسارع الانتشار بالولايات المتحدة حيث أصيب أكثر من 800 شخص.

مشاهد «الأزمة»

وقال مستشار أسواق المال العالمية لـ«الرؤية» محمد مهدي عبد النبى إن مشاهد وآثار الأزمة المالية العالمية في 2008 ما زالت عالقة بأذهان الجميع وقابلة أيضاً للقياس على ما يحدث حالياً من انهيارات أسواق المال العالمية ولكن بمعطيات جديدة تسلم بعضها بعضاً من رحلة سقوط النفط منذ 2014 مروراً بصدمة بريكست وفوز ترامب في 2016 وصولاً للحرب التجارية الأمريكية ضد الصين وتفشى فيروس كورونا عالمياً 2020.

وأشار إلى أن أسباب أزمة 2008 كانت تتعلق بالديون العالمية وتتفرع منها أزمة الرهن العقاري وانهيار بنك ليمان برازر الأمريكي، وتعددت المعطيات والدوافع وقتها للإعلان الرسمي عنها.

ولفت إلى أنه على مدار العقد الماضي تعافى الاقتصاد العالمي كثيراً من كل هذا على الرغم من تفاقم الديون العالمية، مشيراً إلى أن التعافي جاء بعد تطبيق صارم لشروط اتفاقية بازل 3، التي حدت كثيراً من الإعلان عن انهيارات مصرفية عالمية جديدة.

وأوضح محمد مهدي أن اندماج أخرى ساعدت في ذلك وضخت سيولة مالية هائلة ما زالت موجودة في الأسواق حتى اللحظة الراهنة، مبيناً أن تلك السيولة سيولة تريليونية دائمة الدوران تخرج من أدوات مالية لأخرى دون أن تغادر النظام المالي العالمي.

وأكد أن السيولة تعكسها مكررات الربحية العالية للأسهم العالمية رغم الخسائر الفادحة الحاصلة الآن، مضيفاً أن ذلك يعكس تواجدها رغم تقلص حجمها الذي يعوضه ضخ البنوك المركزية العالمية لتدفقات أخرى تدعم الأسواق.

وأشار إلى أن «نحن بالفعل داخل أزمة مالية «غير معلنة»، ولكن بسيناريوهات جديدة تعكسها هجمة وباء كورونا المفاجئة على كل مشاهد الاقتصاد العالمي وربما توضحها أكثر نتائج الربع الأول 2020 الثقيلة جداً، والتي ربما تذهب بالمؤشرات العالمية لمستويات تداول في عام 2016».

وأوضح محمد مهدي أن مستوى 18000 نقطة لمؤشر Dow Jones الأمريكي هو دعم صلب جداً للأسواق، وهو المستوى الذي تسلمه ترامب عند فوزه بالرئاسة الأمريكية 2016، لافتاً إلى أن «ترامب» يحرص جداً على البقاء فوقه لاستعراض النتائج الاقتصادية الإيجابية في ولايته الأولى خاصة مع اقتراب انتخابات الرئاسة الأمريكية نوفمبر 2020.

وأضاف أن ذلك هو ما يفسر إصرار ترامب على المطالبة بفائدة صفرية تدعم الأسواق التي خلقت الكثير من التريليونات لصالح مواطنيه في سباق المؤشرات لنقاط تاريخية.

وأكد أن إعلان الأزمة المالية العالمية في 2020 إن حدث رهن الإعلان عن انهيار مصرفي جديد، ولن يكون أمريكياً هذه المرة، ربما يشهد ذلك أحد البنوك الأوروبية الكبرى المتعثرة، خاصة مع تفشى فيروس كورونا أوروبياً مشكلاً «صين جديدة للفيروس».

ولفت إلى أن إعلان الأزمة المنتظر قد يدعمه انهيار أسعار النفط جراء حرب أسعار الطاقة بين السعودية وحلفائها من جانب وروسيا من جانب آخر، ولكن قد يقلل منه اتفاقهما في أبريل المقبل على توازن الأسواق مجدداً، فما يحدث حالياً مهما تعددت أسبابه هو إعادة تمركز مختلف للقوى الاقتصادية الكبرى مع بداية عقد جديد وليس أزمة حقيقية.

انتهاء «التوازن»

من جانبه، قال الخبير الاقتصادي والاستشاري الدولي للأمم المتحدة، باسم حشاد، إن بوادر الأزمة العالمية في تقديري ليست وليدة اللحظة ولا هي تظهر بين عشية وضحاها.

وأوضح أن الأزمات جزء أصيل من تركيبة النظام الرأسمالي القائم على فلسفة الأزمات عبر آليات السوق وآليات العرض والطلب ويتوقف أمر حدوث الأزمة فقط على توقيت انتهاء التوازن بين العرض والطلب واختلال الأسواق وتراكم الديون وانخفاض تصريف المخزونات من السلع والبضائع.

وبين أنه إسقاطاً على ما نراه اليوم فإننا ومن عام ٢٠١٧ بدايات الأزمة الحالية، حسب تقديره، دخلنا في منطقة أزمة كساد عالمي دعمها عدة إرهاصات أفضت إلى عدة شواهد أساسية، مشيراً إلى أن الإرهاصات بدأت بالحرب التجارية العالمية بين أمريكا والصين تبعها خروج الاتحاد الأوروبي وكان خاتمة الأثافي فيروس كورونا.

وأكد أن كل ذلك أفضى إلى شواهد ذات دلالة منها انخفاضات متتالية في أسعار البترول، انهيارات متواصلة بلا توقف لأسواق رأس المال العالمية على رأسها داو جونز ونيكي والبورصة الصينية، ولعل هذه الشواهد تفصل بلا شك في أننا دخلنا في أول نفق الأزمة.

وأشار إلى أنه قد يطول مداها بطول النفق وقدرة الحكومات وصناع السياسات الاقتصادية بجناحيها المالي والنقدي على صياغة عقد اقتصادي عالمي جديد يقوم على أسس جديدة من عدالة توزيع الدخول العالمية ومشاركة الثروات وخفض معدلات الفقر وحقوق أكبر للعمال والطبقة الوسطى التي هي المكون الرئيس لاقتصاد عالمي قوي.

تحركات «التحفيز»

وعلى ذات الصعيد، قال المدير الإقليمي لدى مؤسسة ICM Capital المالية، وائل حماد، إنه وبعد أسابيع من اتساع رقعة انتشار الفيروس الصيني في جميع القارات وبعد التصريحات المتزايدة حول سلبية المشهد والنظرة المستقبلية المتشائمة حول معدلات النمو الاقتصادي شهدنا تحركاً سريعاً من الحكومات والبنوك المركزية في تطبيق سياسات نقدية ومالية قوية تهدف إلى دعم الاستهلاك والمؤسسات المالية، وبالأخص الصغيرة والمتوسطة الحجم والتي هي تشكل عصب الاقتصاد العالمي.

واستهل الفيدرالي الأمريكي التحركات بخفض غير مسبوق بـ50 نقطة أساس مع الإعلان عن بعض الخطوات التحفزية للبنوك والمؤسسات المالية المقرضة، كما حذا البنك المركزي الإنجليزي حذوه بإجراءات وصفت بأنها إسعافية بخفض مماثل بـ50 نقطة أساس مع بعض الإجراءات الأخرى وما زالت الأبواب مفتوحة أمام المزيد من البنوك المركزية حول العالم للتحرك بنفس الاتجاه كالمركزي الأوروبي والأسترالي والياباني.

وأشار إلى أنه بنفس حجم القلق رصد صندوق النقد الدولي ما يقرب من 50 مليار دولار كديون لمساعدة الدولة الناشئة المتضررة منها 10 مليار دولار دون فوائد للدول الأشد تضرراً من هذا الفيروس.

وأكد أنه لا شك أن قرارات البنوك المركزية الاستثنائية لخفض الفائدة مفيدة للاقتصاد من خلال توفير السيولة اللازمة للشركات في ظل الأزمة الراهنة حيث يسهم انخفاض معدلات الفائدة في دعم النمو الاقتصادي بعض الشيء، ومن المفترض أن يساعد الشركات بتأمين السيولة اللازمة لمواجهة الصدمة التي طالت الأسواق العالمية بجميع قطاعاتها وبشكل مفاجئ.

وأضاف أنه من المؤكد أيضاً أن السياسيات النقدية وحدها لا تكفي لاحتواء تأثير الأزمات، وكل ما يستطيع فعله واضعو السياسات النقدية هو الاستجابة للصدمات التي تلحق بالاقتصاد في الوقت الراهن حيث إن خفض معدات الفائدة يكون مفيداً ولكن ليس كافياً لتعويض الضرر الذي سوف يلحق بالنمو العالمي هذا العام.

ويرى أنه من الضروري أن يتم وضع السياسات المالية الموجهة في بلدان مثل كوريا وسنغافورة وإيطاليا والولايات المتحدة وبريطانيا وغيرها من البلدان التي شهدت انتشاراً قوياً للفيروس حيث إنه من المتوقع أن نشهد المزيد من التحفيز المالي في الأيام القادم من المزيد من الدول.

وأشار إلى أن ذلك خاصة مع تزايد الانتقادات للحكومات على أن الدعومات المقدمة ما تزال ضعيفة وغير كافية لمواجهة هذه الأزمة المفاجئة، كما أن غياب التفاصيل عن بعض هذه الحزم تثير بعض الشكوك للمراقبين من أن بعض الوعود بالتحفيز المالي تهدف إلى التلاعب بمشاعر المستثمرين بهدف دفع الأسواق إلى التفاؤل كما حدث في الولايات المتحدة الأمريكية.

وأكد أنه يبقى التساؤل حول التنسيق بين البنوك المركزية في ظل الارتباك الواضح في بعض التصريحات وانشغال المسؤولين عن هذه البنوك بالمسائل الداخلية ومدى قدرة الشركات على استغلال هذه السيولة حيث إن الأمر الأكثر أهمية من الناحية الاقتصادية، هو إدارة النفقات والتدفقات النقدية في ظل انخفاض الطلب وتعطيل الإنتاج.