الجمعة - 26 أبريل 2024
الجمعة - 26 أبريل 2024

هل تنهار الإنترنت بسبب "كورونا"؟

ارتفعت معدلات استهلاك الإنترنت بطريقة غير مسبوقة في التاريخ في أغلب دول العالم خلال الأسابيع الماضية، نتيجة بقاء مئات الملايين من البشر في منازلهم مع بدء تطبيق الحظر في العديد من الدول لتطويق انتشار فيروس كورونا، ما أثار مخاوف المسؤولين ومزودي الخدمات من إمكانية انهيار الشبكة تحت الضغط الهائل.

ودعت هذه المخاوف، مسؤولي الاتحاد الأوروبي لمناشدة شركات البث عبر الإنترنت والمستخدمين بالتوقف عن تشغيل الفيديوهات عالية الدقة لتقليل استهلاك موارد الشبكة، وإتاحة المجال أمام المستخدمين لاستغلال الموارد بطريقة أفضل سواء للتعلم عن بعد أو العمل من المنزل، وهو الأمر الذي اتجهت له غالبية دول العالم مع حالة الإغلاق الكبيرة خلال فترة انتشار الفيروس.

وردا على هذه المناشدات، استجابت شركة نتفليكس، ومعها يوتيوب أكبر شركة لعرض الفيديو على الإنترنت باتخاذ قرار تقليل جودة البث لمدة شهر على الأقل في أوروبا للحفاظ على الإنترنت، ووفقاً لهذه الخطوة توقع متحدث باسم نتفليكس أن يتم تخفيض نحو 25% من استخدام شبكة الإنترنت المرتبط بالشركة في أوروبا، ولكنه في الوقت نفسه أكد أن جودة البث لن تتأثر كثيراً بالنسبة للعملاء، بينما قال متحدث باسم «غوغل» المالكة لموقع يوتيوب إنهم سوف يستمرون في العمل مع الحكومات وشركات الاتصالات لتقليل الضغط على النظام وتوفير تجربة مشاهدة مريحة للمستخدم في الوقت ذاته.


واكد متحدث باسم شركة أمازون أيضاً أن الشركة بدأت في تقليل جودة البث على خدمة «برايم فيديو»، وأنها تعمل الآن مع السلطات لتخفيف ازدحام الشبكة. والخطوة نفسها اتخذتها شركة «فيسبوك» بتقليل جودة بث الفيديو عبر منصاتها في أوروبا.


أما شركة ديزني، التي لم تطلق خدماتها لبث الفيديو في أوروبا بعد، فقد أعلنت هي الأخرى التزامها بتقليل الضغط على الإنترنت بتخفيض سعة الاستهلاك بنسبة 25% على الأقل من خلال تخفيض جودة البث. وهو الأمر الذي أعلنت شركة «أبل» أيضاً الالتزام به من خلال خدمة البث الخاصة بها.

ومن شان هذه الإجراءات المتلاحقة من كبار مزودي الفيديو تقليل الضغط بالفعل، لأنه وفقاً لتقرير شركة «ساندفين» الأمريكية التي تراقب حركة البيانات على الإنترنت، فإن مشاهدة الفيديو تستهلك أكثر من 60% من البيانات التي تنتقل من مزود الخدمة إلى المستهلك، بينما تستهلك نتفليكس وحدها ما يقرب من 12% من إجمالي حركة المرور على الإنترنت، في حين تستهلك شركة غوغل (خاصة يوتيوب) ما يقرب من 12% أخرى.

وأظهرت الدراسة أن خدمات «غوغل» تستهلك أكبر نطاق ترددي في شبكة الإنترنت على مستوى العالم تليها مباشرة شركة «نتفليكس». وأن الشركتين استثمرتا المليارات في إنشاء طرق عبور الشبكة، وشبكات توزيع المحتوى الخاص بهما. كما أشار تحديث لهذه للدراسة إلى أن حركة المرور الخاصة بموقع «يوتيوب» قد أصبحت ضعفي حركة نتفليكس خلال فترة انتشار الوباء، وقالت الشركة إن موقع يوتيوب ليس أكبر من نتفليكس فحسب، ولكنه يبلغ أكثر من ضعفيه، الأمر الذي يجعله أكثر هيمنة على حركة الشبكة.

العديد من القياسات المختلفة أظهرت زيادة ملحوظة في استخدام ونقل البيانات عبر الإنترنت مع انتشار «كورونا» أما مؤسسة «كلاودفلير» المتخصصة في أمن الإنترنت وكفاءة الأنظمة فقامت بعمل تحليل تقني لأنماط استهلاك الإنترنت في 3 مناطق ضربها الفيروس بقوة، بما في ذلك سياتل الأمريكية وشمال إيطاليا وكوريا الجنوبية، ولاحظ التحليل أن استخدام الإنترنت ارتفع في المناطق الثلاث بنسبة 40% و30% و5% بالترتيب، إلا أن هذه الزيادات لم تؤدِ إلى أي تأثير ملحوظ على أحمال الشبكة.

وأكدت دراسات «كلاود فلير» أن استخدام الإنترنت بشكل عام زاد بنسبة 18% في الولايات المتحدة في الفترة من 1 يناير إلى 22 مارس، ولكن الشبكة مستعدة دائماً لهذه الارتفاعات الحادة، كما يحدث مثلاً في نهائي بطولة رياضية كبرى، والفارق الأساسي، كما يقول «ماثيو برنس» الرئيس التنفيذى للشركة، أن الشبكة التي تتعامل مع هذه القفزات لمدة يوم أو أكثر بمقدورها أن تتعامل معه لعدة أيام أو لعدة أشهر.

وتضع تلك الزيادات غير المسبوقة في معدلات الاستهلاك ضغوطاً غير مسبوقة على البنية التحتية للإنترنت في العالم بأكمله، الأمر الذي يجعل الخبراء يتساءلون: هل يتجه العالم نحو انهيار رقمي هائل؟ والإجابة حتى الآن هي لا، لن يحدث هذا الأمر كما يقول كبار مزودي خدمات الإنترنت في العالم، بل والأكثر من ذلك إن أغلبهم يقدمون العديد من الخدمات والسعات المجانية من أجل تسهيل وصول العمال والطلبة إلى الموارد التي تمكنهم من الإنجاز من داخل المنزل.

وقامت جمعية الإنترنت، وهى منظمة غير ربحية تأسست مع ظهور شبكة الويب تقريباً وبهدف أن تحافظ على الإنترنت «مفتوحة ومتصلة على مستوى العالم وآمنة وجديرة بالثقة» ببحث التأثيرات المحتملة للوضع الحالي على البنية التحتية للإنترنت، وخلصت إلى أن احتمالية وقوع فشل كبير بالشبكة أمر مستبعد.

ومن جانبه، قال مدير التكنولوجيا في مجموعة BT البريطانية للاتصالات، هاورد واتسون، إن الشركة لديها قدرات تستطيع مواجهة زيادة استهلاك الإنترنت، وإنه إذا تحول الاستهلاك الليلي الكثيف إلى المعدل ذاته على مدار اليوم كله فسوف تستطيع الشركة تلبية هذه الاحتياجات.

ويوضح أستاذ تكنولوجيا الإنترنت في كلية إمبريال الإنجليزية، كين كي ليونج، أن تدفق الفيديو الترفيهي التقليدي ليس هو فقط ما يجهد البنية التحتية للإنترنت، ولكن الظاهرة الجديدة هي أنه مع إغلاق الشركات والمدارس والجامعات فإن الملايين يستخدمون البث المباشر للدراسة وعقد الاجتماعات بمؤتمرات الفيديو، ما يرفع الاستهلاك بطريقة هائلة.

وبشكل عام، صممت الإنترنت للتكيف مع الارتفاعات الكبيرة في حركة المرور مثل تلك التى نشهدها حالياً. ولكن المشكلة تتعلق بالمواقع والتطبيقات التي يستخدمها الناس عبر الإنترنت لأنه لم يتم اختبارها في مثل هذه الظروف الصعبة، وبينما يبدو مزودو الاتصالات على ثقة عالية بعدم انهيار الشبكة تحت وطأة الجهد، فإنه على الجانب الآخر يظهر القلق على أصحاب المنصات من عدم تحمل الضغط، وهو الأمر الذي حدث على سبيل المثال مع تعطل خدمات «نتفليكس» في عدد من دول العالم الأسبوع الماضي، في حين كانت شبكة الإنترنت نفسها على ما يرام.