الخميس - 02 مايو 2024
الخميس - 02 مايو 2024

كيف تؤثر خطط ضخ البنوك المركزية للأموال على معدلات التضخم؟

كيف تؤثر خطط ضخ البنوك المركزية للأموال على معدلات التضخم؟

مبنى المركزي الأمريكي في العاصمة واشنطن

تعتبر الإجراءات الأخيرة التي اتخذها البنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي والمصارف المركزية الأخرى لمواجهة أزمة فيروس كورونا غير مسبوقة من حيث سرعة اتخاذها واتساع نطاقها، في حين يخشى بعض الاقتصاديين من أن تؤدي هذه السياسة النقدية التوسعية إلى مرحلة من ارتفاع مستويات التضخم.

ويرى جون غرينوود، كبير الاقتصاديين في شركة إنفسكو، أن هذه النتيجة حتمية، مضيفاً أنه من السابق لأوانه معرفة ما إذا كانت عمليات الشراء الأخيرة للأوراق المالية من قبل المصارف المركزية ستؤدي إلى التضخم، ففي حين أن حجم عمليات شراء الأصول ومدتها عاملان مهمان للغاية، فالأهم من ذلك هو تأثير هذه المشتريات على إجمالي الكتلة النقدية في النظام المصرفي.

وعادة ما تتم زيادة الكتلة النقدية في الاقتصادات الحديثة عن طريق الإقراض الذي تمنحه البنوك التجارية، فحين يقوم البنك بمنح قرض رهن عقاري أو قرض أعمال، فهو بذلك يولّد أصلاً جديداً ويقرض حساب الودائع للمدين، وهو ما يؤدي إلى توليد أموال جديدة، ومع نمو الاقتصاد، يتم توليد المزيد من الأموال، ما يزيد من حجم الكتلة النقدية في النظام المالي.

وتقوم المصارف المركزية بدور هامشي في هذه العملية، إذ يتمثل دورها عادة في تحديد سعر الفائدة الذي يمثل دليلاً تسترشد به الجهات المقرضة والمقترضة حول مقدار الأموال التي يمكن إقراضها أو اقتراضها.

وفي هذا السياق يقول غرينوود: «يمكن أن تتدخل المصارف المركزية لتحقيق الاستقرار في النظام المالي فقط في حال انهارت العملية المعتادة لتوليد الأموال من قبل البنوك التجارية. وفي هذه الحالة، تقوم المصارف المركزية بشراء الأوراق المالية طويلة الأجل من السوق الحرة بهدف زيادة الكتلة النقدية والسيولة، وتعرف هذه العملية باسم التسهيل الكمي».

تدخّل البنوك

يهدد الانتشار السريع لفيروس كورونا وإجراءات الإغلاق الناتجة عن ذلك بانهيار النشاط الاقتصادي وتعطيل نظام الدفع بسبب إغلاق الشركات أو إفلاسها أو ارتفاع معدلات البطالة. وقد أدى ذلك لخلق متطلبات سيولة قصيرة الأجل، حيث يعيد الأفراد والشركات حساباتهم لتقدير حجم الأموال التي سيحتاجون إليها لحين حدوث الانتعاش.

وبحسب غرينوود فقد تدخلت المصارف المركزية بالفعل (على غرار ما قامت به أثناء الأزمة الاقتصادية العالمية عامي 2008 و2009) لتلبية الطلب على التمويل من قبل الشركات والأفراد على حد سواء من خلال شراء الأوراق المالية، وينظر إلى تدابير التسهيل الكمي على نطاق واسع على أنها مؤشر لبداية ارتفاع كبير في مستويات التضخم، مع احتمال ارتفاع الميزانيات العمومية للمصارف المركزية لمستويات تاريخية.

ويرى غرينوود أن ضخ السيولة بكميات كبيرة ليس له تأثير تلقائي على التضخم، ويقول: «إن المال الموجود بين أيدي الناس هو الذي يحرك التضخم، وليس المال الموجود في سجلات المصرف المركزي».

والحقيقة أن الإجراءات التي اتخذتها المصارف المركزية خلال الأزمة المالية العالمية أدت إلى استقرار النمو النقدي بمفهومه الواسع فقط، في حين بقيت معدلات التضخم بعد هذه الخطوة مستقرة دون 2% على أساس سنوي في معظم الاقتصادات الناشئة.

وأضاف: «تاريخياً، حين تلعب المصارف المركزية دور (الملاذ الأخير للإقراض) عندما يسود الذعر في الأسواق، فإنها تكون قادرة على توفير التمويل الإضافي اللازم لتهدئة هذا الذعر. وبمجرد أن تهدأ حالة الذعر، تقوم هذه المصارف بسحب النقد والودائع الزائدة تدريجياً من النظام المصرفي، وقبل أن تسنح الفرصة لحدوث التضخم».

سيناريوهات تمويل العجز في الميزانيات

يكمن الفارق الوحيد في أزمة فيروس كورونا في أن ضخ كميات كبيرة من الأموال في النظام المالي ليس الغرض منه توسيع الميزانيات العمومية للمصارف المركزية، بل هو أيضاً ناتج عن الزيادة الضخمة في العجز والديون الحكومية نتيجة حزم التحفيز المالية، ومن هنا، فإن توقعات التضخم تعتمد على السياسات المالية والنقدية المشتركة، وكذلك على مدى إمكانية تحويل الدين الحكومي إلى أموال وتحت أية ظروف.

يعتبر الاقتراض أحد أساليب تمويل عجز الميزانية الحكومية، وإذا قامت الحكومات بتمويل الميزانية من خلال إصدار صكوك الدين، فلن يحدث التضخم إذا جرى الاقتراض من مؤسسات القطاع الخاص غير المصرفية بطريقة لا تؤدي لتوليد الأموال، إذ إن التضخم يحدث حين تشتري البنوك الأوراق المالية الحكومية، ما يؤدي لتوليد الأموال التي تعزز الإنفاق الإجمالي، ويقول غرينوود: «ينبغي على الهيئات المختصة إدارة حجم الدين الحكومي الذي تشتريه البنوك التجارية بعناية في حال أرادت الحدّ من نمو الكتلة النقدية بمفهومها العريض».

كما يمكن أيضاً تمويل عجز الميزانية من خلال «طباعة النقود»، إما عبر الحفاظ على أسعار فائدة منخفضة جداً بحيث تضطر البنوك لمنح المزيد من القروض، أو من خلال الحفاظ على أسعار صرف العملات منخفضة جداً، ما يزيد تدفقات الأموال من الخارج، قد يؤدي هذان الحلّان للتضخم نتيجة الزيادة السريعة في الكتلة النقدية بمفهومها العريض.

سيناريوهات التضخم

خلال الأسابيع الأربعة السابقة لتاريخ 23 مارس، سجّلت الكتلة النقدية بمفهومها العريض نمواً يزيد على 60% سنوياً في الولايات المتحدة، وختم غرينوود: «في حال استمرت معدلات كتلة النقد بمفهومها العريض في النمو لفترة أطول، من 6 إلى 12 شهراً على سبيل المثال، فلا شك أن معدلات التضخم في الولايات المتحدة سترتفع على المدى المتوسط. ومع ذلك، ففي حال بدأت هذه المعدلات بالاستقرار خلال الفترة من الـ3 إلى الـ6 أشهر القادمة لتقترب من مستويات طبيعية بحدود 6 - 8% سنوياً، ما يناسب بشكل أكبر اقتصاداً كاقتصاد الولايات المتحدة، فلن تكون هناك زيادة كبيرة في معدلات التضخم».