الجمعة - 26 أبريل 2024
الجمعة - 26 أبريل 2024

الفوائد العالمية للسباق التكنولوجي الأمريكي - الصيني

الفوائد العالمية للسباق التكنولوجي الأمريكي - الصيني

(أرشيفية)

في أواخر القرن التاسع عشر، عبّر الرائد الأمريكي في علم الاستراتيجيا الجغرافية (الجيو-استراتيجي) ألفريد ثاير ماهان عن الأفكار التي عمّت العالم عندما كتب: «كل من يحكم الأمواج، لا بدّ أن يحكم العالم». ولقد فهم ماهان الحقيقة الأساسية التي سادت ذلك العصر الذي شهد النمو السريع جداً للتجارة وحيث كانت القدرة على السيطرة على المحيطات والممرات البحرية تعكس حالة الازدهار.

وأطروحة ماهان تلك لم تكن جديدة. ففي عام 1829، فضّل المغامر الإنجليزي السير والتر سكوت التعبير عن الفكرة ذاتها بطريقة أخرى عندما كتب: «كل من يتحكم بالبحر، يتحكم بالتجارة. وكل من يتحكم بالتجارة العالمية يتحكم بثروات العالم، وبالتالي فإنه يتحكم بالعالم ذاته».

وفيما تبقى خطوط الشحن والتجارة البحرية حيوية للاقتصاد العالمي، وفي وقت غالباً ما تكون فيه الدول ذات الموانئ المزدهرة والمرافق اللوجستية هي الأكثر ازدهاراً، فإن تحديث أفكار ماهان والسير والتر سكوت حتى تتطابق مع مفاهيم القرن الـ21 يتطلب استبدال كلمة «تجارة» بكلمة «تكنولوجيا»، ويتطلب الأمر أيضاً أن تكون أحكامهما أقل تطرفاً عند استخدام تعبيرَي «يتحكم» و«يحكم» و«يسود» بالنظر لقدرة التكنولوجيا على تغيير واقع هذه الأمور.

واليوم، تتخصص مئات المقالات الصحفية والكتب المطبوعة بالغوص في أسباب وتداعيات الحروب التكنولوجية المستمرة القائمة بين الولايات المتحدة والصين. ويمكن القول بشكل عام إن هذه التعابير التي استخدمها ماهان وسكوت تعمل على تأطير اللعبة وكأنها معركة يستأثر الفائز فيها بكل شيء. إلا أن هذا التأطير خاطئ بحدّ ذاته. وعندما تتنافس قوتان عالميتان عملاقتان على ابتداع أكثر التكنولوجيات تطوراً في العالم، فإن كلاً منهما تعمل على زيادة سرعة النجاح والتقدم للأخرى.

وربما تستأثر الصين بالريادة في صناعة البطاريات الكهربائية لدفع السيارات مثلاً، وإذا حدث ذلك، فسوف يستفيد العالم من تخفيض حجم الانبعاثات الكربونية الضارة بالبيئة بما في ذلك الولايات المتحدة ذاتها. وسوف تواصل الولايات المتحدة من جهتها احتفاظها بموقع الريادة في البحوث العلمية الأساسية، وإذا حدث ذلك، فإن العالم كله سيجني ثمار هذه التطورات العلمية بما في ذلك الصين.

ولا يمكن لدولة واحدة أن «تحكم التكنولوجيا العالمية» لمدة طويلة. ولهذا السبب، فإن أفضل ما يمكن أن تفعله أمة أو شركة هو تسخير كل طاقتها ومصادرها لتطوير التكنولوجيا المتقدمة.

ويقتضي تحديث أفكار ماهان وسكوت حتى تنسجم مع واقع القرن الـ21 أن تصبح على الشكل: «إن الأمم والدول والشركات التي تستثمر في التكنولوجيات المتقدمة وتتبنّاها، فإنها تحقق بذلك خطوة إلى الأمام بالنسبة لمنافسيها، وسوف تجني الفوائد التي تصبّ في مصلحة مواطنيها والمقيمين على أراضيها وموظفيها والمساهمين في نهضتها».

وإذا كان هناك شيء واحد يتحتم علينا أن نفهمه حول قوة التكنولوجيا والقدرة على الاختراع فهو أن: السباق نحو التميّز التكنولوجي لا حدود له، ولهذا السبب فإن أفضل ما يمكن للمرء أن يفعله هو ألا يفكّر بالانسحاب من السباق وألا يخاف من الابتعاد عن الشاطئ وأن يقبل بتحمل المخاطر الكبرى ومواصلة المضي إلى الأمام بلا هوادة.

وهذا السباق التكنولوجي بين الولايات المتحدة والصين يقود الدولتين إلى مصير مثل هذا بالرغم من أنه يجعل الولايات المتحدة أكثر توتراً.

ونحن نرى كيف أن مواقف متطابقة لمسؤولين أمريكيين من كلا الحزبين الديمقراطي والجمهوري بالإضافة لمفكرين وأصحاب كفاءات وخبراء في السياسة، يجتمعون حول الفكرة التي تفيد بأن الصين أصبحت تشكل «لاعباً خبيثاً»، وهي تسرق الأسرار التكنولوجية للولايات المتحدة وتضخ مليارات الدولارات في الشركات التكنولوجية من أجل الاستئثار بموقع الريادة العالمية في تكنولوجيات الثورة الصناعية الرابعة وعلى رأسها الذكاء الاصطناعي والروبوتات والطباعة ثلاثية الأبعاد والعديد من الابتكارات الأخرى.

وما يزال السياسيون الأمريكيون يهدرون الأوقات الطويلة في الاجتماعات السياسية التي تعقد في واشنطن دون أن يجدوا الوقت الكافي للاهتمام بما يدور على خطوط الجبهة الأمامية للثورة التكنولوجية التي يشهدها وادي السيليكون أو في المراكز الابتكارية البارزة في ولاية بنسلفينيا التي أصبحت تشكل مركزاً متفوقاً في علم الذكاء الاصطناعي.

وإذا قرروا قضاء وقت أطول هناك، فسوف يعثرون على رجال الأعمال القادرين على حل المشاكل وتحمل المخاطر وإقامة الشركات الجديدة التي ستشكل في النهاية القوى الفعالة المقبلة للتكنولوجيا في عالمنا.

وسوف يقضي هؤلاء السياسيون ذاتهم بعض الوقت في إقليم شينزن في الصين مع العمال التكنولوجيين الصينيين من الساعة التاسعة صباحاً وحتى التاسعة مساءً وبمعدل 6 أيام في الأسبوع. وهذا يعد أقسى عمل يمكن أن يقوم به عمال تكنولوجيون في العالم، ولكنهم يقومون بالفعل ببناء المستقبل.

وفي الحقيقة، فإن عامل التكنولوجيا في شينزن لديه الكثير من القواسم المشتركة مع العاملين في مجال التكنولوجيا في وادي السيليكون.

ولا شك أن دولة الإمارات العربية المتحدة التي أظهرت قدرة عالية على تبنّي التكنولوجيا، ورغبة كبيرة في التحول إلى مركز للإبداع وتحقيق الريادة في مجال الابتكار، سوف تحتل وضعية ممتازة على المستوى العالمي خلال العقود القليلة المقبلة، وخلافاً لما هو الحال في قطاع النقل البحري أو التحكم بالأرض وثرواتها ومصادرها، فإن من الصعب «التحكم» بالتكنولوجيا. ولهذا السبب، إذا تصادم العملاقان الكبيران في المجال التكنولوجي فسوف يحدث التقدم، وسيستفيد العالم من التكنولوجيات الجديدة الناتجة عن هذا التصادم.