السبت - 27 أبريل 2024
السبت - 27 أبريل 2024

مستقبل النفط والغاز في عصر الطاقات الخضراء

ما مستقبل النفط؟ لو توجهت بهذا السؤال للغالبية العظمى من كبار المستثمرين، لقالوا لك إن النفط لا يمتلك الكثير من الحظوظ في المستقبل، ولقد شهدت أسعار أسهم كبريات شركات النفط العالمية انخفاضاً حاداً خلال أزمة جائحة «كوفيد-19»، ولم تتعافَ إلا قليلاً بالرغم من التعافي السريع لأسعار النفط وعودة النشاط لبعض القطاعات الأخرى.

فما سبب تراجع شركات الطاقة التي تعتمد على إنتاج كميات ضخمة من النفط والغاز؟ بشكل جزئي، هذا يعود للمشاعر النفسية السلبية التي تتعلق بالنفط والغاز في عصر يراهن فيه عدد متزايد من الحكومات والشركات على الطاقة النظيفة. وليس من قبيل المصادفة أن يرتفع سعر سهم «تسلا»، وهي الشركة الأكثر شهرة في العالم لصناعة السيارات الكهربائية المتطورة، إلى مستوى خيالي فيما أخفقت أسهم شركات النفط والغاز.

فما الذي يعنيه ذلك بالنسبة لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا التي تضم أشهر منتجي النفط والغاز في العالم؟

يمكن للمنطقة أن تتنفس الصعداء لو عاد سعر برميل النفط إلى مستوى 50 دولاراً، حتى لو تطلب الأمر تحقيق ارتفاع كبير في الطلب لإبعادها عما يسميه محلل الطاقة الشهير دانييل يرغين نطاق «حارة الفيروس» Virus Alley الذي يتراوح بين 40 و50 دولاراً للبرميل.

وبالطبع، فإن ارتفاع أسعار النفط يرفع ميزانية الإنفاق العام في وقت تقتضي فيه الضرورات الماسة مواجهة التقلبات الدورية في الأسعار. ولا بُدَّ لهذه العوائد الإضافية الناتجة عن ارتفاع أسعاره أن تجد طريقها للقطاع الخاص وبما يقدح النشاط والنمو. وهناك سبب آخر يجعل ارتفاع أسعار النفط ذا فائدة كبيرة للمنطقة. فعندما تنمو الشركات الكبرى لإنتاجه خاصة في دول الخليج العربي، فسوف يمثل ذلك عاملاً محفزاً اقتصادياً على نطاق أوسع في مناطق الشرق الأوسط وأفريقيا وجنوب آسيا.

والأسعار الأكثر ارتفاعاً للنفط يمكنها أن تدعم وتيرة النمو وتخلق المزيد من الفرص للحصول على الوظائف، وتساهم في تنشيط التجارة والاستثمارات. وفي بحث أنجزته مؤخراً حول التحويلات الخارجية، وجدت أن أكثر من تريليون دولار من التحويلات انتقلت من دول مجلس التعاون الخليجي الست إلى دول في آسيا والشرق الأوسط وذلك في فترة 10 سنوات تمتد من بداية عام 2010 وحتى نهاية عام 2019.

وكانت منطقة جنوب آسيا أكبر مستفيد، إلا أن مصر حققت الإيرادات أيضاً. فإذا لم يكن للنفط مستقبل، فما الذي يمكننا توقعه من المنطقة خلال السنوات العشرين المقبلة؟. يجب التذكير أولاً بأن العديد من هؤلاء المستثمرين الذين يتحدثون عن «نهاية عصر النفط» يتخذون موقفهم على أسس سطحية بدلاً من الاعتماد على الأسس المالية.

وأنا أقول: كلا، فنحن لا نشهد الآن نهاية عصر النفط. بل إن ما نشهده هو مجتمع مؤسساتي مستثمر لاحظ أن شركات النفط والغاز لم تعد تساير «الموضة» المناسبة في عصر الطاقة الخضراء.

ونحن نلاحظ كيف أن كبار المنتجين الغربيين للنفط والغاز ما زالوا يقدمون منتجاتهم التي تشهد طلباً قوياً في الأسواق، ومن المرجح أنها ستحتفظ بقوة الطلب لفترة لا تقل عن ربع القرن. والشيء الذي نشهده الآن هو نهاية «النمو السريع» في الطلب على النفط. ووفقاً للغالبية العظمى من التوقعات المتعلقة بقوة الطلب، فنحن نتجه لطلب على النفط يبلغ 110 ملايين برميل يومياً في العالم أجمع بحلول عام 2030. ومن المتوقع أن يبقى ثابتاً عند هذا الحد عام 2040 عندما يبدأ التعامل بالطاقات البديلة عن طريق الإنترنت. وحتى لو أثبتت هذه التنبؤات أنها تتطابق مع الحقيقة، فإن كمية 110 ملايين برميل من النفط يومياً سوف تبقى ضرورية للاستهلاك خلال الـ20 سنة المقبلة.

وعلينا أن ننتبه إلى أن تباطؤ النمو يختلف عن الانهيار. إلا أن كبريات الشركات الغربية تتم معاقبتها من طرف أسواق الأسهم لأنها لا تزال تعمل في صناعة لا تتناغم مع حركة الطاقة الخضراء. وسوف تواصل الشركات مساعيها الحثيثة في محاولة منها للحاق بركب التطور الذي تحققه الطاقة الخضراء، وسوف تخفض من حجم إنفاقها على المشاريع الاستثمارية المتعلقة بالنفط والغاز. ومن ثَمَّ، وخلال السنوات الـ20 المقبلة، من المنتظر أن يكون لشركات النفط الوطنية مثل «أدنوك» الإماراتية أو «آرامكو السعودية»، دور أكبر في تأمين الاحتياجات العالمية من الطاقة.

ولقد كان توفير النفط والغاز بأسعار معقولة، سبباً حيوياً لازدهار العالم. ومع الارتفاع المتواصل في معدلات السكان الآسيويين والأفارقة المنتسبين إلى الطبقات الوسطى، فلا بُدَّ أن يزداد طلبهم على خدمات شائعة مثل التنقل والبحث عن الفرص والحصول على الرعاية الصحية وأشياء أخرى. ولقد أصبحت هذه الخيارات متوفرة في العالم الغربي بفضل الاستثمار في النفط والغاز.

وإذا كانت الجهود المبذولة لتطوير الطاقات المتجددة تستحق الإشادة والترحيب بها، فإنه من الضروري النظر إليها باعتبارها جزءاً من خليط مصادر الطاقة وليس الهدف منها الاستغناء عن النفط والغاز، لأن مثل هذه المواقف سوف تخلق نقصاً في مصادر الطاقة يمكنه أن يضرّ بالفقراء بشكل قوي.

ويكمن مستقبلنا المزدهر في الجمع بين مزيج من الطاقات المتجددة وأنواع الوقود الأحفوري من أجل مواجهة احتياجات سكان العالم الذين يقترب عددهم من 8 مليارات نسمة. وفي الوقت الذي يتم فيه الانتقال نحو المزيد من الطاقات المتجددة، فإن هذا الانتقال سيكون طويلاً من الناحية الزمنية. ومن أجل تحقيق مصلحة المليارات من بني البشر، فإننا نأمل أن تكون عملية التحوّل ناعمة وسلسلة بدلاً من أن تكون عامرة بالحفر والمطبّات.

وحتى لو بدا وكأنني أنتقص من شأن النفط والغاز تماشياً مع «الموضة»، فإنني لا أسعى إلى تقريب عصر نهاية أنواع الوقود الأحفوري. ويفتقر المستثمرون المؤسسون الهاربون من شركات الطاقة الغربية الكبرى، لفهم أكثر عمقاً لاحتياجات كوكبنا من الطاقة.

* زميل باحث في معهد السياسة الخارجية بكلية الدراسات الدولية المتقدمة في جامعة جونز هوبكنز.