السبت - 04 مايو 2024
السبت - 04 مايو 2024

جشع شركات الشحن يشعل نيران التضخم

جشع شركات الشحن يشعل نيران التضخم
من إسبانيا إلى سريلانكا، تدفع الشركات الصغيرة والمستهلكون تكاليف شحن باهظة، بينما يجني عمالقة الشحن أرباحاً خيالية تقدر بنحو 150 مليار دولار في عام واحد، إذ من المتوقع أن تظل أسعار الشحن عبر المحيط مرتفعة حتى عام 2022، ما يدشن عاماً آخر من الأرباح المزدهرة لشركات الشحن العالمية.

وتجاوز السعر المباشر لحاوية بطول 40 قدماً إلى الولايات المتحدة من آسيا 20 ألف دولار العام الماضي، فضلاً عن الرسوم الإضافية والأقساط، مقارنة بأقل من 2000 دولار قبل بضع سنوات.

ويعني شح عدد الحاويات المتاحة وازدحام الموانئ أن الأسعار طويلة الأجل المحددة في العقود بين شركات النقل والشاحنين أعلى بنحو 200%، مما كانت عليه قبل عام، ما يشير إلى احتمال ارتفاع الأسعار في المستقبل المنظور.


ثقل تفاوضي


ويتمتع كبار متعاملي شحن البضائع بحراً مثل شركة «وولمارت» و«أيكيا» بثقل تفاوضي للحصول على أفضل شروط ، في حين لا يستطيع المستوردون والمصدرون الصغار، خاصة أولئك الموجودين في البلدان الفقيرة ممن يعتمدون على شركات النقل لنقل كل شيء، أن يتحملوا هذه التكاليف بسهولة أو لفترات طويلة.

وأثار أشيل يامن من مجلس الشاحنين الوطني في الكاميرون مخاوف بشأن عدم المساواة في أفريقيا في مؤتمر عبر الهاتف، استضافته مؤخراً هيئة التجارة التابعة للأمم المتحدة. وذكر يامن أنه: «إذا لم يتم فعل أي شيء لعكس هذا المسار، فإن المخاطر من حيث التضخم والأمن الغذائي يمكن أن تزداد بشكل كبير للغاية».

أرباح خيالية

حققت شركات الشحن البحري أرباحاً تقدر بنحو 150 مليار دولار في عام 2021 وتلك قفزة سنوية بمقدار 9 أضعاف بعد عقد من الصعوبات خلا من تحقيق أي مكاسب.

وكانت شركة AP Moller-Maersk A / S الدنماركية، ثاني أكبر شركة نقل حاويات في العالم، في طريقها لتحقيق ربح سنوي العام الماضي، من شأنه أن يطابق أو يتجاوز النتائج المجمعة للسنوات التسع الماضية. وسجلت أسهمها مستوى قياسياً مرتفعاً هذا الشهر، وكذلك فعلت أسهم شركة Hapag-Lloyd AG في هامبورغ ألمانيا التي تتبوأ المرتبة الخامسة.

وتر حساس

ولامست الأرباح المفاجئة الممتدة وتراً حساساً عبر الطيف السياسي، حيث حذر الاقتصاديون من أن أسعار النقل المرتفعة باستمرار تؤدي إلى إذكاء التضخم وتعتيم الانتعاش. كما أصبحت التكاليف المرتفعة للشحن التي اعتادت على إثارة نوبات مؤقتة من تصاعد التضخم من السمات طويلة الأجل للاقتصادات في الولايات المتحدة وأماكن أخرى.

وأجرى الخبير الاقتصادي في بنك الاحتياطي الفيدرالي في مدينة كانساس، نيكولاس سلاي بحثاً وجد فيه أن زيادة 15% في تكاليف الشحن أدت إلى زيادة 0.10 نقطة مئوية في التضخم الأساسي بعد عام واحد. وقال إن أسعار الشحن تمثل حالياً تحدياً مستمراً وليس مؤقتاً أو عابراً.

سوق مشوهة

في مواجهة القوى التي تعمل على تغيير أنماط العمل التقليدية، يناشد الشاحنون في جميع أنحاء العالم المنظمين لكبح جماح ناقلات الشحن البحري، أبرزها جمعية الشحن الدولية البريطانية، التي دعت حكومة المملكة المتحدة إلى التحقيق في «ظروف السوق المشوهة» داخل سوق شحن الحاويات العالمي، حيث لوحظ في السنوات الأخيرة أن 10 خطوط حاويات في آسيا وأوروبا، بقيادة شركة Maersk وMSC وCMA CGM SA الفرنسية وشركة Cosco Shipping Holdings الصينية، تسيطر وحدها على ما يقرب من 85% من قدرة شحن البضائع عن طريق البحر. في حين قبل 25 عاماً، كانت أكبر 20 شركة تسيطر على حوالي نصف القدرة العالمية.

وفي حين أنهم يتنافسون رسمياً، فإن 9 منهم يعملون بموجب اتفاقيات مشاركة السفن تسمى «التحالفات» التي تنسق الجداول الزمنية وتتقاسم المساحة على السفن. وفي الوقت نفسه، تتمتع شركات النقل منذ فترة طويلة بمهلة من قوانين مكافحة المنافسة في معظم الاقتصادات الكبرى، بما في ذلك الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة.

تقليص سعة الشحن

ولأول مرة، أظهر الوباء مهارة شركات النقل في إدارة إمدادات السوق من خلال تقليص سعة الشحن عندما هز كوفيد-19 الاقتصاد العالمي لأول مرة، ثم تكثيفها عندما انتعش الطلب بقوة، ما أدى إلى ارتفاع الأسعار أكثر من أي وقت مضى. واستاء الشاحنون من الكيفية التي تحول بها تأمين التحالفات على سعة السفن، وجداولها الزمنية وسرعاتها، إلى قوة تسعير غير متكافئة.

وخلال الصيف قدمت شركة MCS Industries Inc. وهي مستورد ديكور منزلي في ولاية بنسلفانيا، شكوى ضد شركات النقل MSC وCosco أمام اللجنة البحرية الفيدرالية، ادعت الشركة أنها «تعمل جنباً إلى جنب لاستغلال اضطراب كوفيد-19 لتحقيق الربح على حساب المستهلكين في الولايات المتحدة».

وذكر مدير منتدى شركات الشحن العالمي، الذي يمثل المستوردين والمصدرين وأصحاب البضائع، جيمس هوكهام: «هذا السوق لا يعمل لصالح الجميع». «نعتقد أن هذا السوق يحتاج إلى بعض التحقيقات للتأكد من عدم تعرض هؤلاء المتعاملين لسوء المعاملة».

وتصر شركات النقل على أن الأسعار المرتفعة هي قفزة استثنائية نتجت عن الاختلال في العرض والطلب نتيجة انتشار الوباء. ودافع جون بتلر، الرئيس التنفيذي لمجلس الشحن العالمي، وهي مجموعة تمثل خطوط الحاويات، عن التحالفات باعتبارها ترتيبات تجعل النظام بأكمله يعمل بكفاءة أكبر.

تشابك سلاسل التوريد

ومن جانبه، أشار، الرئيس السابق للجنة البحرية الفيدرالية والمدير التنفيذي في ميناء لونج بيتش، وهو جزء من أكبر مجمع موانئ في الولايات المتحدة، ماريو كورديرو، إلى أن السبب يعود إلى «تضافر العوامل» التي أدت إلى تشابك سلسلة التوريد العالمية في أعقاب الوباء.

وتوقع معظم المراقبين، عندما بدأ الإغلاق الأول في مارس 2020، أن صناعة الشحن ستدمر. لكن انتعاشاً حاداً غير متوقع في الطلب أعقب المخاوف الأولية من حدوث هبوط دائم. ولكن برامج التحفيز في الولايات المتحدة والصين أدت إلى زيادة طلب المستهلكين على السلع وبحلول الربع الثالث من 2021، سجلت التجارة العالمية في السلع رقماً قياسياً بلغ 5.6 تريليون دولار.

وأدى الطلب الهائل إلى تعطيل سلاسل التوريد بشدة ولم تتمكن الموانئ الرئيسية في الولايات المتحدة من معالجة الواردات بالسرعة الكافية، كما أن شركات النقل بالشاحنات عجزت عن تأمين السائقين، ونفدت مساحة المستودعات. توقفت السفن المحملة بالكامل عن شواطئ كاليفورنيا لأسابيع بسبب ازدحام الموانئ. وفجأة، أصبحت الصناعة التي اجتاحت البحار دون أن يلاحظها أحد من قبل عامة الناس هدفاً واضحاً للغاية.

لا دليل

واجتمع المنظمون من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والصين في سبتمبر وقرروا أنه لا يوجد دليل حتى الآن على سلوك مناهض للمنافسة في شحن الحاويات. ومع ذلك، لا تزال الحكومات في حالة تأهب قصوى حيث يتم دفع سلاسل التوريد العالمية إلى نقطة الانهيار.

وتقول اللجنة البحرية الفيدرالية إنها زادت من مراقبة تحالفات شركات النقل، لتتبع الاتجاهات بشكل أفضل واكتشاف السلوك غير القانوني المحتمل، وذكر رئيس اللجنة، دانيال مافي، إنه بموجب القانون الأمريكي الحالي، لا يوجد ما يمكن للمنظمين القيام به لكبح جماح الانتهاكات المحتملة على نطاق واسع.