الاثنين - 06 مايو 2024
الاثنين - 06 مايو 2024

صور | «الخان».. أول فندق تجاري في تاريخ المنطقة العربية

  • الاستيلاء على بضائع تعادل نصف مليار جنيه مصري بمنطقة العقبة يدفع العرب لتأسيس الفنادق

  • 115 درهماً فضياً سعر الإقامة لليلة واحدة في القرن الخامس الهجري

  • دمشق تؤسس أعرق فنادقها لاستقبال ملكة بريطانيا ولم تحضر

  • «شبرد» عامل في أحد المقاهي بمصر تحول إلى مالك فندق عريق

  • 10 ملايين دولار حققها كلينتون من إيجار غرف البيت الأبيض بالليلة

  • فندق «نيسياما أونسين كيونكان» باليابان الأقدم حول العالم ولا يزال يستقبل النُّزلاء

  • 1768 ميلادياً.. تأسيس أول فندق بالمفهوم العصري في إنجلترا لاستقبال الأثرياء فقط



الفنادق في المنطقة العربية شأنها شأن كل شيء.. تطورت مع تطور الزمن، من الخيام للبندق وبيوت المسافرين إلى «النُّزل» والخان «الكاروانسراي» والبدستانات، مروراً بـ«البنسيون واللوكندة» ووصولاً إلى الفنادق الكبيرة الفارهة، التي تلبي احتياجات المسافرين والسياح والوفود الرسمية للدول.

وبحسب موسوعة جينيس للأرقام القياسية، فإن أقدم فندق في العالم لا يزال يعمل، هو فندق «نيسياما أونسين كيونكان» باليابان، والذي افتُتح عام 705 ميلادياً، وتعاقب على تشغيله 52 جيلاً من ذات العائلة، وربما تتفق صفحات التاريخ مع كونه أقدم الفنادق العاملة حتى الآن، لكن من أين استمدت البشرية فكرة الفنادق؟ تساؤل أهمل التاريخ الإجابة عنه!

خيام التجار والمسافرين

في هذه الأثناء لم يكن العرب يعرفون ديانة «الإسلام»، فلا شاغل لهم إلا التجارة مع البلاد المجاورة، خاصة بلاد الشام، ليظهر حينها ما عُرف بخيام المسافرين والتجار، لتبدأ من هنا الفكرة الأولى لإعداد أماكن لإقامة التجار والمسافرين، لكن لا أجر يُدفع نظير هذه الخدمات.

دار الضيافة

ما إن استقرت الحال في مكة والمدينة وازداد أعداد من آمنوا بالرسول محمد- صلى الله عليه وسلم- حتى توسعت التجارة وجابت الأنهار والبحار واخترقت الطرق والسهول والسهوب، وظهر ما يعرف بـ«دار الضيافة»، وهو المكان الذي كان يستقبل الضيوف القادمين للمدينة من تجار ومسافرين وطلاب علم، يوفر لهم أماكن للنوم ووجبات الغذاء بشكل مجاني أيضاً.



ظهور الخانات

في عام 110 هجرياً، ومع التطور المتسارع الذي كانت تعيشه الحضارة الإسلامية، تحول اسم دار الضيافة لـ«للخان»، وهي كلمة أعجمية تدل على المبنى الكبير الخاص بإيواء التجار والمسافرين، ولعل الدار التي بناها هشام بن عبدالملك في هذا التوقيت قرب قصر الحير الغربي في منطقة البادية السورية، كانت خير شاهد على وجود ما يسمى بالفنادق الآن، لكن الإقامة هذه المرة ليست مجاناً، حسب ما ورد في كتاب الانتصار لواسطة عقد الأمصار.

دائماً ما كان ينسب تأسيس الخانات إلى الدولة العثمانية، إلا أن أحد النصوص الذي كُتب عام 86 هجرية لأحد العلماء، وهو سعود بن يزيد، جاءت ليؤكد وجود الخانات من قبل أن يعرف العالم الدولة العثمانية، وكان نص ما فيها: «إنه التجأ إلى أحد الخانات في ليلة ممطرة، فوجد الخان شُغل جميع غرفه»، وهنا تجدر الإشارة إلى أنه ذات العام الذي أسس فيه فندق «نيسياما أونسين كيونكان» في اليابان.

دراهم فضة سعر المبيت

في منتصف القرن الخامس الهجري كانت تُسير القوافل العملاقة بين دمشق ومناطق شرق الأردن وحوران، وكانت تعتمد على الخيام عند الراحة، إلا أن ما تعرضت له أحد القوافل الذاهبة إلى دمشق في منطقة العقبة، والاستيلاء على ما فيها من أموال وبضائع من قبل ريتشارد قلب الأسد، كان دافعاً لإقامة مباني أُطلق عليها أيضاً الخانات بين الواحدة والأخرى مسافة يوم سيراً بالجمال، لعل أشهرها خان «علوش» في دمشق، وصل سعر الإقامة فيه لـ115 درهماً فضياً في الليلة الواحدة، بحسب ما كتبه المؤرخ أكرم حسن العلبي.

قيمة القافلة المنهوبة

الحدث جلل وكان له الصدى الأكبر في المنطقة كلها، فالقافلة التي نُهبت كانت من 18 ألف راحلة «جِمال»، تحمل سلعاً قُدِّرت بستة ملايين دينار، وأموالاً بلغت قدر سعر السلع المنهوبة، ليصل إجمالي الخسائر لما يقرب من 580 مليون جنيه بحسابات اليوم، لتنتشر في المنطقة العربية الفنادق أو ما عُرف حينها بالخانات الخاصة والتي كانت تحصل على أجر نظير الإقامة والحراسة.

أسبوع بـ2 درهم ذهبي

التجارة العربية لم تكن حبيسة حدودها القديمة، فقوافل التجار تُسير بانتظام إلى الصين، لكن حادثة قافلة العقبة لا زال يتردد صداها، حتى القرن الثامن الهجري، وربما هو الأمر الذي دفع التجار حينها، لإقامة ما أطلق عليه مستعمرة للتجار المسلمين على شاطئ كوانج تشو الصيني لاستضافة التجار وبضائعهم وتوفير أماكن للنوم، وكانت تبدأ أسعار الإقامة من 2 درهم ذهبي تشمل مبيتاً لمدة 7 أيام وتقديم وجبات غذائية، وحراسة البضائع والأموال، كما ما ورد في كتاب روائع الأوقاف.

ضرائب على الخانات

على الرغم من أن فكرة وجود الفنادق جاءت لتقدم الطعام وتوفر المسكن للمشردين والفقراء وعابري السبيل والمسافرين، فإنه- مع بداية دولة المماليك- انتشرت الخانات لكن هذه المرة للتجار والمسافرين الذين لديهم القدرة على دفع كُلفة الإقامة والحصول على الطعام، حتى إن من لا يملكون أموالاً للإقامة كان يتم إخراجهم من المدن ليلاً والعودة لها صباحاً.

لعل هذه الخطوة جاءت بعد أن تم فرض الضرائب على الخانات بحسب ما جاء على لسان الجغرافي العربي المقدسي عام 985 ميلادياً في كتابه بلاد الشام، والذي أكد أن الأمر وصل حينها لتعيين حراس كانت مهامهم مراقبة النزلاء، خاصة الذين لا يمتلكون بضائع، منعاً للتهرب من دفع الأموال المتفق عليها.



«البدستانات» وركود الدولة العثمانية

مع قيام الدولة العثمانية كانت الخانات جزءاً من المباني التي يتم الاعتماد عليها داخلياً، في إقامة المسافرين ورؤساء القبائل التركية، لكن مع بداية القرن الثامن عشر هجرياً، وهي الفترة التي أطلق عليها فترة ركود الدولة العثمانية، لما تعرضت له من هزائم وأجبرت حينها على إعادة جزيرة كريت للبندقية، سارعوا لإنشاء المزيد من الخانات، لكن هذه المرة باسم مختلف، فقد أطلقوا عليها حينها «البدستانات» أقاموها على الطرق الرئيسية وباتت فيما بعد مركزاً لإدارة التجارة وعقد الصفقات.

5 دنانير فضية في النُّزل الأوروبية

لم يكن الأوروبيون يعرفون ما هو الفندق أو الغرض منه، إلا أن الفترة التي تواجدوا بها في الشرق أيام الحروب الصليبية، دفعتهم لإنشاء أماكن لإيواء المسافرين وحمايتهم من قطاع الطرق في بلدانهم بعدما كانوا يعتمدون على الأديرة، ومع بداية القرن الثالث عشر ميلادياً ظهرت في أوروبا البنايات الصغيرة، وكان يطلق عليها «النُّزل»، تقدم الطعام للنزلاء والعلف للخيول مقابل 5 دنانير من الفضة في اليوم الواحد.



أول فندق عصري في أوروبا

بطبيعة الحال، فالعرب دائما ما يضعون اللبنة الأولى للمشروعات والنُّظم، لكنّ الأوربيين يحرصون على تطويرها، وهو ما قادهم إلى تأسيس العديد من الفنادق مثل «زام روتن بايرين في عام 1120 ميلادياً، ذا أولد بيلي 1135 ميلادياً، أورسو جورجيو 1300ميلادياً، إنترلوكين 1491 ميلادياً، لكن يبقى أول فندق بالمفهوم العصري، تم تأسيسه في إنجلترا وأطلق عليه «رويال كلارنس» عام 1768 ميلادياً، يستقبل الأثرياء فقط.

غلق وبيع الفنادق

مع بداية القرن الثامن عشر ميلادياً، باتت صناعة الفنادق مربحة، وهو الدافع وراء تأسيس الآلاف من الفنادق في بلدان العالم، الأمر بالضرورة سيكون له تأثير على هذه الصناعة، حتى إن العديد من الفنادق قد أغلقت، ومنها من لجأ لبيع الأثاث للنزلاء، وهو ما كشف عنه خبر نشر في واحدة من الصحف حول قيام فندق سلوان بالعاصمة البريطانية ببيع التحف والأثاث الموجودة في الفندق للنزلاء، بدعوى أنها فكرة جديدة للتسويق وتجديد الأثاث.

الخبر المنشور على لسان روجرز صاحبة الفندق، قالت إن سعر المروحة اليد يبلغ 6 جنيهات وبلغ سعر السرير 15 ألفاً استرلينياً، وإن كافة الأشياء الموجودة في كل غرفة تبلغ قيمتها 30 ألفاً استرلينياً.



فندق لكل حرفة

يمكن القول إن مصر توسعت في إنشاء الفنادق قبل عهد الخديوي إسماعيل وهي الفترة التي ظهرت فيها الفنادق على غرار نظيرتها في أوروبا، كل منها لأصحاب صنعة وحرفة معينة، حتى إن بعضها كان يحظر دخول أصحاب بعض الديانات الأخرى، منها فنادق «حوى بنحوى العذري، وعمارة وكان ينزله الشاميون، والحوباني، وابن حرمه كان ينزل فيه الأمراء منذ عهد يزيد بن معاوية، وفندق الحصر، والقصب، والتفاح، لكن فندق الوكالة كان الأبرز والأهم، حتى إنه بيع عام 796 هجرياً بمئتين وخمسين ألف درهم، ما يعادل 15 مليون جنيه مصري.

سبق هذه الفترة وجود العديد من الفنادق العاملة في مصر- بحسب ما جاء في كتاب السلوك لمعرفة دول الملوك للمقريزي، والذي أشار إلى ما فعله الفرنجة في مدينة الإسكندرية عام 1249 ميلادياً، قائلاً: «أحرقوا فندق الكيتلانيين، وفندق الجنوبيين، وفندق الموزة، وفندق الموسيليين، فصارت النار تعمل في الفنادق والبضائع التي لم تجد لها محملاً معهم».

فنادق السياح

في عام 1839ميلادياً ارتفع أعداد الأجانب القادمين لزيارة الآثار المصرية، خاصة المدينة الأبرز والأهم في عصر الفراعنة «الأقصر»، وهو ما جعل فكرة تأسيس فنادق عصرية أمراً مُلحاً، لتنشأ في هذه الفترة أكثر من 10 فنادق جميعها مملوكة لغير مصريين، لعل أبرزها كان فندق الأقصر الذي بُني في عام 1940 ميلادياً، ولم يبقَ من أثره سوى بعض الصور.

«شبرد» عامل تحول لمالك أعرق فندق

في العام التالي 1941 ميلادياً، جاء مستر صموئيل شبرد إلى مصر ولا يمتلك سوى 10 جنيهات، وظل الرجل يبحث عن وظيفة حتى تمكن من العمل في أحد المقاهي المملوكة لرجل يوناني، ليؤسس في العام التالي لوكاندة شبرد في أحد الأحياء المتواضعة بالقاهرة.

الرجل كان لديه إصرار على النجاح في تأسيس فندق عملاق، ليلجأ للاقتراض حينها ويؤسس الفندق التاريخي، والذي عُرف حينها بالفندق الإنجليزي، ليقرر شبرد عام 1845 ميلادياً رفع لافتة على الفندق تحمل اسم شبرد، وهو ما زال يفتح أبوابه أمام الوفود والسياح من كل دول العالم حتى الآن.



فندق الضباط البريطانيين

النجاحات التي حققها شبرد كانت دافعاً لتأسيس العديد من الفنادق، ليظهر في هذه الأثناء تحويل قصر الخديوي إسماعيل لفندق أُطلق عليه «مينا هاوس» وفي 1893 ميلادياً، تم تأسيس فندق ويندسور في وسط القاهرة، وتحول خلال الحرب العالمية الأولى لنادي الضباط البريطانيين، لكن بالطبع من دون أجر يدفع، لكنه أغلق أبوابه عام 2019 متأثراً بأضرار من إنشاء خط المترو.

فندق لاستقبال الملكة

لم تكن سوريا في هذه الفترة بعيداً عن التطور الذي يعيشه العالم، فهي الدولة العريقة، لكن قصة أول فندق يُبنى على الطراز الأوروبي هناك كانت مختلفة بعض الشيء، فملكة بريطانيا وأيرلندا والهند «ألكسانندرينا فيكتوريا» قررت أن تزور سوريا في 1897 ميلادياً، فقررت دمشق إقامة فندق يليق باستقبال الملكة وهو ما تم بالفعل، بعد الاستعانة بالخواجة «بترو»، وتم تأسيس الفندق الأعرق في دمشق وحمل اسم فيكتوريا، لكن الزيارة المقررة لم تحدث، فموت الملكة حال دون ذلك.

مع بدايات القرن التاسع عشر عاد إلى الواجهة تأسيس العديد من الفنادق، لكن هذه المرة تعد هي النقلة النوعية والتطور الهائل الذي دخل على هذه الصناعة، لتظهر سلاسل «ريتز» في باريس و«سافوا» في لندن و«ستور هاوس وهيلتون» في أمريكا، و«إنتركونتينتال وماريوت وهوليداي إن وشيراتون» جميعها ما زالت صامدة حتى الآن.

تأجير غرف البيت الأبيض

الحديث عن المكاسب الطائلة التي تحققها الفنادق، ربما هو الدافع وراء قيام الرئيس الأمريكي الأسبق كلينتون بتأجير غرف البيت الأبيض بالليلة لبعض الشخصيات قيل إنها بلغت 938 شخصاً، مقابل تبرعات ضخمة، وهو ما كشفت عنه الصحافة حينها، وقالت إن المدعوين كانوا يستمتعون بالسباحة في الحوض الرئاسي لكن متعتهم الأكبر كانت الدخول ليلاً إلى المكتب البيضاوي الشهير، وأكدت أن إجمالي ما تحصل عليه كلينتون من تحويل البيت الأبيض لفندق بلغ 10 ملايين دولار أمريكي.

الواقعة الغريبة، كانت حديث الصحافة في كل دول العالم، حتى إن رسامي الكاريكاتير استثمروها لسنوات، وراحت الصحف تطلق على المقر الرئاسي الأمريكي أسماء جديدة من بينها ما ذهبت إليه صحيفة «واشنطن تايمز»، التي أطلقت صفة البيت المبغي على المبنى، في حين سمته صحيفة نيويورك تايمز بـ«موتيل 1600» والرقم هو عنوان مقر البيت الأبيض في منطقة بنسيلفانيا.



برج العرب

لم تكن دولة الإمارات العربية المتحدة، بعيدة عن هذا التطور المتسارع، فصحف العالم لا حديث لها إلا عن واحد من الفنادق التي يتم تأسيسها في دبي كأعلى فندق في العالم بارتفاع 321 متراً، يساوي ارتفاع برج إيفل في باريس، وليسبق فندق ويستن ستامفورد في سنغافورة والذي يبلغ ارتفاعه 226 متراً.

أطلقت الإمارات اسم «برج العرب» على فندقها الذي كان حديث العالم، وما زال كونه على رأس قائمة تضم أجمل خمسة فنادق في العالم حتى الآن، ليأتي من بعده فندق سونيفا جاني في المالديف وفندق بيلاجيو في لاس فيغاس وذا بلازا في نيويورك.

ويعد الفندق ضمن الأكثر شهرة في مدينة دبي، يمنح زواره إطلالات رائعة على الخليج العربي، ويضم مجموعة من الفنادق الفاخرة، ويشتهر بأجنحته الفخمة ذات الديكور الرائع المصنوعة من الذهب، فضلاً عن الشاطئ الصناعي الفريد من نوعه، وشرفات حمام السباحة الكبير، والبهو الذي يبلغ ارتفاعه 180 متراً، كما يوجد به مطعم تحت الماء، محاط بحوض أسماك ضخم، واستضاف العديد من مشاهير العالم وكبار الشخصيات.

وعلى الرغم من تصنيف فندق برج العرب من فئة الخمس نجوم، فإنه معروف على نطاق واسع بأنه يتمتع بخدمات سبع نجوم، بفضل الرفاهية والفخامة، وتم البحث عنه نحو 2،428،501 مرة، من قبل مستخدمي إنستغرام.

وتبقى فكرة إنشاء الفنادق هي فكرة عربية خالصة، تطورت بتطور الزمن اختلفت أسماؤها باختلاف العصور، لتبقى هذه الصناعة المهمة، ضمن الصناعات التي ينسب الفضل فيها للمنطقة العربية.