الاحد - 05 مايو 2024
الاحد - 05 مايو 2024

«التسوق عبر الإنترنت» يعيد تشكيل مدن العالم

«التسوق عبر الإنترنت» يعيد تشكيل مدن العالم
عندما تتجول في الشوارع الرئيسية في منطقتي مانهاتن أو بروكلين بمدنية نيويورك، فسوف تلحظ خلوها من المارة إلا قليلاً، المتاجر تبدو مظلمة بإضاءة خافتة وخالية من البضائع أيضاً، وأبوابها الزجاجية مغطاة بملصقات تحمل علامات تجارية لما تقوم ببيعه، أو رموز QR، أو بعلامة توجهك إلى تحميل تطبيق الهاتف المحمول الخاص بالمتجر، ليقوم بتوصيل الطلبات إلى المنازل في غضون 10 إلى 15 دقيقة، وأمام كل متجر ستجد رصيفاً مخصصاً للدراجات التي تقوم بالتوصيل، إنها «المتاجر المظلمة» التي لا يتنافس في الدخول والخروج منها إلا موظفوها، ولا يُسمح للعملاء بالدخول!

هذا المشهد يمثل ملخصا للبحث الذي قام به الدكتور أليكس بيترمان أستاذ الهندسة المعمارية والتصميم في جامعة «ألفريد ستيت» بعنوان «المتاجر المظلمة تعيد تشكيل مدن العالم»، وقام بنشر تفاصيله دورية «Wired» المتخصصة في مجال الأعمال والتقنية والحياة الاجتماعية، ونبه فيه إلى التأثيرات السلبية الناتجة عن الانتشار الواسع للمتاجر المظلمة التابعة للشركات توصيل الطلبات والتسوق عبر الإنترنت، فى الأحياء الخمسة لمدينة نيويورك.

شوارع بلا مشاة


يقول بيترمان، إن ازدهار التسوق عبر الإنترنت والنمو المتسارع لـ»المتاجر المظلمة» (متاجر بقالة بدون عملاء مكرس لتلبية عمليات البيع عبر الإنترنت) يعيد صياغة شكل الحياة في مدن العالم، وقد نتج عن ذلك تأثيرات سلبية خطيرة على مدينة نيويورك، وعلى جميع المدن في الدول الأخرى، التي تعيش نفس المشهد أو تقف على أعتابه، وتظهر هذه التأثيرات في عدة أشكال، منها تغييرها للشكل الطبيعي للحياة في هذه المدن، لتصبح خالية من المارة وشوارعها على وشك أن «تسكنها الأشباح»، كما أنها ترسخ لأسوأ التأثيرات في المشهد الاجتماعي للحي، حيث يصبح التواصل بين الجيران قليلاً جداً.


هجوم خاطف

ويضيف بيترمان، أن دراسته تسلط الضوء على جانب من التداعيات بعيدة المدى لعالم التجارة الإلكترونية على حياة البشر، وتنافس شركات التوصيل على سرعة التسليم، ليصل الحال إلى قيام هذه الشركات بالاستحواذ على مجال البيع بالتجزئة وتعزل المتسوقين داخل تطبيق إلكتروني. وقد بدأت بالفعل الشركات الناشئة في مجال توصيل الطلبات مثل Buyk وGorillas وJokr وGetir، هجوماً خاطفاً في الولايات المتحدة الصيف الماضي، وقامت بفتح أكثر من 110 متاجر مظلمة في جميع الأحياء الخمسة لمدنية نيويورك، ويعتمد نجاحها على شراء أو استئجار عقارات في وسط الأحياء الرئيسية للمدن، وإلا فلن يكون لديها فرصة للوفاء بوعدها بالتسليم خلال 15 دقيقة.

التقاطع المربك

ووفقاً لتقديرات أخرى للتداعيات السلبية لانتشار «المتاجر المظلمة» التابعة لشركات توصيل الطلبات، قامت به شركة التصميم المدني والبيانات بمدنية نيويورك «BetaNYC» بالتعاون مع دورية «WIRED» الشهرية، فإن النمو الهائل لهذه «المتاجر المظلمة» يجعل مخططي المدن على حافة الهاوية، حيث تؤدي إلى ما يعرف بـ«التقاطع المربك» أي إنها من الناحية الفنية مشغولة، لكنها وظيفياً فارغة، وعندما يكون هناك الكثير منها في منطقة صغيرة، فإن ذلك يعني أن عدداً أقل من الناس سوف يسيرون في الشارع، وسيصبح التواصل بين الجيران أقل.

ويقول نويل هيدالجو المدير التنفيذي لشركة BetaNYC: «إن خروج الناس إلى الشوارع يزيد من السلامة العامة ويخلق نوعا مهما من المشاركة المجتمعية، ويجعل المدن والشوارع أكثر أماناً، بينما نلاحظ حاليا مع انتاشر «المتاجر المظلمة» زيادة في معدلات الجريمة وانتشار كبير القوارض في الأحياء التي تسيطر عليها شركات توصيل الطلبات.

ارتفاع الإيجارات

وقد أدى الانتشار الكبير لـ«المتاجر المظلمة» على حد قول - هيدالجو - إلى مزاحمتها للشركات المجاورة الأساسية، ما أدى إلى ارتفاع الإيجارات في مساحات البيع بالتجزئة وأصبحت تقف حجر عثرة أمام التوسع فيما يسمى بـ«متاجر الناصية» أو محال الوجبات الجاهزة أو محال البقالة الصغيرة، ولهذه المحال أهمية مجتمعية كبيرة، حيث توفر أماكن للمشي والالتقاء بالأصدقاء.

وتقول ليزا نيسنسون، مخططة المدن بشركة «BetaNYC»، إن انتشار المتاجر المظلمة وازدهار التسوق عبر الإنترنت، يؤدي إلى تغيير كامل في شكل حركة سير البشر في شوارع المدينة، حيث لا وجود لمشاة يتنافسون على مساحة الرصيف، ولا وجود لأشخاص يدخلون إليها أو يخرجون منها، فقط دراجات بخارية تجوب الشوارع بحثاً عن عناوين التوصيل.

هولندا تحظر توسعها

وتؤكد نيسنسون أن الحكومة الهولندية تنبهت إلى تلك التأثيرات الاجتماعية السلبية لانتشار شركات وتطبيقات توصيل الطلبات، ومنعت في العديد من المدن - بما في ذلك أمستردام - التوسع في خدمات التوصيل السريع حتى العام المقبل.

أما في الولايات المتحدة الأمريكية، فقد انتبه بعض المشرعين إلى هذه القضية، وأبرزهم جيل بروير عضوة مجلس مدينة نيويورك، التي تقول إن استغلال واجهة متجر للبيع بالتجزئة وتغيير نشاطه للقيام بتوصيل الطلبات للمنازل فقط، وعدم استقبال المستهلكين للشراء مباشرة، يعد انتهاكاً لقانون تقسيم المناطق المحلية.