السبت - 04 مايو 2024
السبت - 04 مايو 2024

الصراع العالمي على الرقائق على وشك أن يزداد شدة

الصراع العالمي على الرقائق على وشك أن يزداد شدة

يبدو أن مدينة ماغديبورغ في ألمانيا الشرقية السابقة على وشك أن تؤدي الآن دوراً رئيسياً في الجهود الأمريكية والأوروبية لإمالة ميزان القوى العالمي. بحسب ما ذكر بلومبيرغ.

وكشفت شركة إنتل في 15 مارس عن خطط لبناء مصنع عملاق بقيمة 17 مليار يورو (18.7 مليار دولار) لصنع أشباه موصلات متطورة في المدينة، إضافةً إلى المصانع الجديدة في أريزونا وأوهايو التي أعلنت عنها الشركة على مدى الأشهر الستة الماضية.

وهي جزء من خطة الرئيس التنفيذي بات جيلسنجر لانتزاع السيطرة على الإنتاج من آسيا ومعالجة النقص العالمي في الرقائق التي تفاقمت خلال جائحة كوفيد-19 ومرة أخرى بعد اجتياح روسيا لأوكرانيا.

وتعدُ الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي بتقديم دعم قدره 100 مليار دولار في سباق لتقليل الاعتماد على الواردات، تماماً كما تخطط الصين لتحويل نفسها إلى قوة تتحكم بالرقاقة. ويشعر العاملون في الصناعة بقلق متزايد من أن هذا قد يؤدي إلى نتائج عكسية، إلى جانب القلق من أن القيود السياسية ربما تزيد من تعقيد سلاسل الإمداد العالمية.

ولعل ما حدث مع روسيا مثال واضح على أن أشباه الموصلات صارت أدوات سياسية متزايدة الأهمية. ولعلها من أول السلع التي استهدفتها واشنطن وبروكسل لعزل روسيا عن الاقتصاد العالمي.

وذكرت وزيرة التجارة الأمريكية جينا رايموندو في مقابلة أجريت معها في 9 مارس أنه إذا تحدت الشركات الصينية القيود الأمريكية المفروضة على التصدير إلى روسيا، فيمكن لواشنطن إغلاق الشركات من خلال عزلها عن المعدات والبرامج الأمريكية التي تحتاج إليها.

وتريد الولايات المتحدة وأوروبا استعادة حصتهما من سوق الرقائق، حيث استأثرت الولايات المتحدة بما يقرب من 40% من إنتاج رقائق السيليكون في العالم في التسعينيات، في حين استأثر الاتحاد الأوروبي بأكثر من 20%، وفقاً للأرقام التي ذكرتها واشنطن وبروكسل. والولايات المتحدة لديها الآن أقل من 15% والاتحاد الأوروبي لديه حوالي 10%.

وفي محاولة لتحويل الإنتاج بعيداً عن آسيا، يخطط الرئيس بايدن لضخ 52 مليار دولار في بحث وتطوير وإنتاج شبه الموصل المحلي كجزء من مشروع قانون ضد المنافسة الصينية، على الرغم من أنه لا يزال في انتظار الموافقة. ومن ناحية أخرى، فإن الدول الأعضاء الـ27 في الاتحاد الأوروبي تعمل على مراجعة الاقتراح الأخير الذي قدمته المفوضية الأوروبية بقيمة 48 مليار دولار لبناء قدرة الاتحاد على إنتاج الرقائق.

وأنفقت الصين للتو ما يصل إلى 150 مليار دولار بحلول عام 2030 لبدء الإنتاج. ولا تزال البلاد متخلفة كثيراً، خاصة عندما يتعلق الأمر بصنع الرقائق المتقدمة، لكنها تلحق بالركب بسرعة.

وذكر ريموندو في موقع إنتل الجديد في أوهايو في يناير: «نحن نركز على تنشيط صناعة أشباه الموصلات الأمريكية لأنها لبنات البناء الأساسية لاقتصادنا الحديث». ويعد الرئيس التنفيذي لشركة إنتل جيلسنجر قوة رئيسية وراء الاستثمار الحكومي في المصانع الجديدة.

ويرى أن التمويل العام يمكن أن يساعد شركة إنتل في خفض كلفة محاولة اللحاق بالرقائق المتطورة بعد الاعتماد على شركة تايوان لتصنيع أشباه الموصلات، والمعروفة باسم TSMC، وشركة سامسونغ إلكترونيكس في كوريا الجنوبية ومن شأنه أيضاً أن يجعل الولايات المتحدة وأوروبا أكثر اعتماداً على الذات. ومصنع إنتل الجديد في ماغديبورغ، سيبدأ الإنتاج في عام 2027، هو جزء من حزمة استثمار بقيمة 80 مليار يورو في أوروبا.

وتعد اليابان بمساعدات من الدولة لتعزيز الإنتاج. وتشمل المرافق الجديدة مصنعاً بقيمة 7 مليارات دولار تخطط له شركة تي إس إم سي بالتعاون مع شركة سوني جروب وشركة دينسو.

وكذلك تريد كوريا الجنوبية أن تصبح أكبر منتج للرقائق في العالم، حيث تخطط الشركات والحكومة لجمع 450 مليار دولار في الصناعة بحلول عام 2030.

وتمثل شركة تي إس إم سي أكثر من 50% من سوق صنع الرقائق البحتة للشركات الأخرى. ومن عملائها شركة أبل، التي تعتمد على الرقائق التايوانية لأجهزة الآيفون.

والواقع أن الاعتماد على شركة تي إس إم سي يشكل الشغل الشاغل: ذلك أن تدخل الصين في الجزيرة من شأنه أن يترك الرقائق الأكثر تقدماً في العالم بين أيدي بكين. فاقترح الأكاديمي الأمريكي جاريد ماكيني في مقال نشرته مجلة للجيش الأمريكي أنه يجب على تايوان حماية نفسها من خلال التهديد بتدمير مرافق صنع الرقائق حتى تجد بكين أن صناعتها التكنولوجية «مشلولة» إذا غزتها.

سيكون لشركة تي إس إم سي موقع أمريكي جديد يعمل في أريزونا في غضون عامين، وهي الآن تفكر في مصنع محتمل في ألمانيا بعد أن أعربت شركات صناعة السيارات الأوروبية مراراً عن مخاوفها بشأن التأثير الناجم عن نقص الرقائق. ولكن أهل الداخل في الصناعة التايوانية يظلون متشككين في الخطط الرامية إلى نقل الإنتاج إلى الغرب.

تحرك البيت الأبيض بهدوء لمنع الشركة الهولندية ASML Holding NV من تصدير معداتها المتطورة إلى الصين. لدى ASML احتكار فعال على آلات الطباعة الليثوغرافية فوق البنفسجية المتطورة التي تستخدمها شركات مثل شركة تي إس إم سي.

بدأت إدارة ترامب بالضغط على الحكومة الهولندية في وقت مبكر من عام 2018 لعدم التصريح ببيع آلات EUV التابعة لـASML إلى الصين، وفقاً لأشخاص على دراية بالمحادثات. وتصاعدت هذه الضغوط في عهد بايدن، مع تفكير المسؤولين في دفع الحكومة الهولندية إلى وضع حظر التصدير الفعلي، وفقاً للأشخاص المطلعين على المداولات الداخلية.

وستناقش الولايات المتحدة وأوروبا استراتيجياتهما بشأن أشباه الموصلات كجزء من مجلس التجارة والتكنولوجيا، ولكن لا يزال هناك طريق طويل يجب قطعه لمعرفة ما إذا كان يجب تنسيق المساعدات الحكومية بأكثر الطرق استراتيجية وكيفية القيام بذلك.

وفي حين تتجه الأنظار الأمريكية نحو الصين، فإن الاتحاد الأوروبي يخطط لإضافة شروط إلى الإعانات المالية من شأنها أن تضمن حصول الاتحاد على المكونات الأساسية في أوقات الطوارئ. والهدف العام الآن أن تصنع أوروبا 20% من أشباه الموصلات في العالم بحلول عام 2030. وهذا يعني عملياً مضاعفة الإنتاج الأوروبي إلى أربعة أمثاله في غضون ثمانية أعوام.

ولكن العديد من الشركات في المنطقة تتساءل عما إذا كان من الواجب على الاتحاد أن يضع قدراً كبيراً من الثِقَل على صناعة الجيل القادم من الرقائق بدلاً من الرقائق الأقل تقدماً والأكثر «نضجاً» التي تعاني حالياً من نقص.

ومهما كان نوع الرقائق التي يتم إنتاجها، يتوقع المطلعون على الصناعة أن تعتمد الولايات المتحدة وأوروبا دائماً على آسيا في موادهم، لأسباب ليس أقلها التعقيدات العالمية للإمدادات.