الثلاثاء - 14 مايو 2024
الثلاثاء - 14 مايو 2024

ديزني ووارنر وأبل تتحدى صدارة نتفليكس لعرش الترفيه

استطاعت شركة «نتفليكس»، على مدار العقد الماضي، أن تبني إمبراطورية ضخمة، كانت أكثر من مجرد طريقة جديدة لمشاهدة التليفزيون والأفلام ومحتوى الترفيه، حيث كانت تلك الشركة رائدة في نموذج الاشتراك لمشاهدة المحتوى حسب الطلب عبر الإنترنت.

وعبر العديد من القفزات التي تتجاوز السائد مثل إطلاق مواسم كاملة من المسلسلات في وقت واحد، إلى غياب الخطوط الفاصلة بين المسلسل التليفزيوني والفيلم. لم تكن نتفليكس مجرد هزة في صناعة استقرت لعقود ولكنها كانت أشبه بقنبلة زلزلت شكل صناعة الترفيه بأكملها.

وقتها كان من السهل على المتفرج الذي ينتقل لخدمة البث أن يتخذ القرار، حيث كان المتاح عدد محدود من العروض أبرزها نتفليكس وأمازون وهولو، بالإضافة لعدد من الشركات الصغيرة، ولذا كان قرار تحديد الخدمة والاشتراك بسيطاً وواضحاً. ولكن يمكن اعتبار المرحلة الأولى لخدمات البث قد انتهت ودخلنا في مرحلة جديدة مع دخول العديد من الشركات الكبرى إلى حلبة المنافسة. حيث يدخل هذا العام عدد من اللاعبين الكبار في محاولة لتحدي سيطرة نتفليكس شبه الكاملة، وعلى رأسهم ديزني ووارنر وأبل.


«نتفليكس» تسيطر


جاء صعود شبكة «نتفليكس» بطريقة مفاجئة أدهشت المراقبين وخبراء الصناعة، ففي عام 2011 عبر بريان روبرتس، الرئيس التنفيذي لشركة كومكاست، الشركة التي تدير محطة NBC إحدى أكبر شركات البث في أمريكا بإيجابية عن ذلك الناشئ الجديد الصاعد المسمى «نتفليكس»، والتي رآها إضافة جيدة لكتالوج NBC من المحتوى، وباعتبارها ستمثل منفذاً لترويج المحتوى الذي تنتجه المحطة الأمريكية الكبيرة.

وبينما كان عام 2010 يمتلئ بالعديد من الاتفاقات بين الشركة الناشئة وصناع المحتوى الكبار في هوليوود، كانت خدمة البث تدرك أن نموذج الأعمال الذي تعمل به يقف على أرض هشة، وكان هناك إدراك واضح أن نموذج الأعمال الذي يعتمد على الحصول على حق توزيع منتجات شركات أخرى سيصبح سريعاً غير قابل للتطبيق. وأنه لكي تقف الشركة على أرض صلبة عليها أن تتجه سريعاً إلى صناعة المحتوى المتميز.

ومنذ عام 2011، بدأت «نتفليكس» في إنتاج محتوى خاص، ولكن هذا الإنتاج لم يظهر للمستهلك إلا في عام 2013 عندما أطلقت الشركة الموسم الأول من مسلسل House of Cards كاملاً على الشبكة، ولم تكن الشبكة خجولة في إعلان خططها الكبيرة للمستقبل، ولكن هوليوود استغرقت الكثير من الوقت حتى تأخذ اللاعب الجديد على محمل الجد. وبينما استمرت هوليوود في القيام بما كانت تفعله منذ عقود طويلة، كانت «نتفليكس» تضخ مليارات الدولارات في خطوط إنتاج المحتوى الجديدة بدءاً من عروض التمويل في مراحل التطوير، وحتى شراء الحقوق من الآخرين في مرحلة ما بعد الإنتاج. وكانت هذه اللعبة تعتمد على الكم أكثر من الكيف، والمدهش أنها نجحت.

بحلول نهاية 2018، أنفقت «نتفليكس» أكثر من 12 مليار دولار على المحتوى خلال الاثني عشر شهراً السابقة فقط. ومن جميع أنحاء العالم، كانت الشركة قد أنتجت أو حصلت، على نحو حصري، على حق عرض نحو 700 برنامج تليفزيوني مختلف ومئات الأفلام، ولا يبدو أن الوتيرة تتباطأ مع زيادة الإنفاق في إنتاج المحتوى الأصلي، حيث تضخ الشركة مليارات الدولارات سنوياً لإنتاج كل شيء من تليفزيون الواقع وحتى الأفلام التي تترشح للأوسكار.

تحدي ديزني

في عام 2016، استثمرت شركة ديزني مليار دولار في شركة متخصصة بالبث عبر الإنترنت تدعى BAMTech، وكانت تلك هي الخطوة الأولى في رحلة الشركة الطويلة للدخول في هذا المضمار، وخلال العامين التاليين قامت ديزني بتحجيم نشر المحتوى الذي تنتجه عبر منافذ أخرى، وأنفقت في الوقت نفسه أكثر من 50 مليار دولار للحصول على المحتوى الكامل المملوك لشركة «فوكس للقرن العشرين».

في عام 2018 تم الكشف عن خدمة Disney+ والتي من المفترض أن تبدأ العمل خلال أشهر قليلة ويتوقع الخبراء أن تكون المنافس الأبرز لشبكة «نتفليكس» حيث ستبدأ مرتكزة على كتالوج ضخم من المحتوى الترفيهي يضم كل ما أنتجته ديزني من الأفلام، بالإضافة إلى الأعمال القديمة والجديدة من عوالم كل من مارفل وستار وورز.

بدء عمل Disney+ سيكون حدثاً هائلاً في عالم البث عبر الإنترنت، ومن المتوقع أن تنطلق بنحو 7000 حلقة من الأعمال التليفزيونية، وأكثر من 500 فيلم مع منظومة كبيرة من الأعمال الجديدة التي يتم إنجازها. ولن يتوقف الأمر عند هذا الحد، حيث تخطط الشركة أيضاً لإطلاق خدمة بث رياضية ضخمة حملت اسم ESPN+ كما تتردد شائعات أنها تخطط للاستحواذ على حصة كبيرة من أسهم شركة البث Hulu وبشكل عام فإن ديزني على وشك أن تتحول إلى عملاق عالمي في خدمات البث عبر الإنترنت.

أبل تدخل الملعب

حتى لا يتفوق عليها أحد، بدأت شركة أبل في وضع الأساس لإنتاج المحتوى الأصلي عام 2016. الشركة المجهزة تقنياً بالفعل لبث المحتوى إلى مئات الملايين من الناس حول العالم، قامت بهدوء ببناء فريق كبير يضم عدداً من المديرين التنفيذيين السابقين في استوديوهات هوليوود، قبل أن تطلق حملة ترويجية هائلة عن المحتوى الذي ستقدمه. ووضعت الشركة ميزانية مبدئية تتجاوز مليار دولار لإنتاج المحتوى، وكشفت أن الأعمال الأولى ستضم سلسلة من الدراما الكوميدية يشارك فيها عدد من أكبر نجوم هوليوود، إضافة إلى عدد من الأعمال الإبداعية التي يشارك بها مجموعة من الحاصلين على جوائز الأوسكار.

المحتوى الذي تنتجه أبل، سيكون متاحاً للاستهلاك عبر منصة Apple TV+ التي كشفت عنها الشركة أخيراً وفق نظام الاشتراك، ومن المؤكد أن قدرة أبل على نقل المحتوى الأصلي عبر بنيتها التحتية القائمة بالفعل سيضعها في موقع جديد، ولكن السؤال يبقى عن مقدار الأموال التي ترغب الشركة في استثمارها في تلك المغامرة التي تهدف لانتزاع الجمهور من الخدمات المنافسة.

كيف يتعامل الجمهور؟

التغييرات السريعة التي تحدث في المشهد دفعت كل منتج في هوليوود لإعادة التفكير في طريقة استخدام أصوله من المحتوى الترفيهي، ويبدو أن توقعات «نتفليكس» في عام 2011 أثبتت صحتها في النهاية، فإن مقدمي خدمات البث مستقبلاً لن يعتمدوا فقط على حق استغلال المحتوى الذي ينتجه الآخرون، ولكنهم سيتحولون في الوقت نفسه إلى منتجين للمحتوى.

شركة «وارنر» تستعد هي الأخرى لتتحول إلى لاعب كبير في خدمات البث عبر الإنترنت خلال هذا العام، وهي ترتكز أساساً على أرشيف ضخم من منتجات الشركة بما في ذلك سلسلة «هاري بوتر» وأفلام «دي سي» كما أنها تدير مجموعة ضخمة من الأعمال التليفزيونية من محطة HBO وكذلك «كارتون نتورك».

هذه التحولات تضيف المزيد من الخدمات إلى المجموعات القائمة، لأنه يجب ألا أن ننسى المجموعة الواسعة من خدمات البث الأصغر التي تنتج هي الأخرى محتوى خاصاً، مثل فيسبوك وCBS ويوتيوب التي تنتج جميعها محتوى على أمل جذب المزيد من المشتركين إلى خدماتها، الأمر الذي يتوقع معه الخبراء أن تتحول العملية إلى حرب واسعة النطاق.

*مستقبل توصيل المحتوى للجمهور

بلا شك فإن البث عبر الإنترنت هو المستقبل للطريقة التي سيتم بها توصيل المحتوى للجمهور، ولكن كم اشتراك مختلف يستطيع المشاهد أن يتحمله؟ وفي عالم تتوزع فيه شركات البث كم عدد من يمكنهم أن يشتركوا في خمس أو ست خدمات مختلفة؟ هذا العامل ربما يكون صاحب تأثير كبير على الصناعة بأكملها، ووحده الزمن قادر على تقديم إجابة واضحة عن السؤال.