الثلاثاء - 21 مايو 2024
الثلاثاء - 21 مايو 2024

منتجات القمح تتجه لمزيد من الارتفاع محلياً

قال اقتصاديون إن أسعار المنتجات الغذائية المرتبطة بالقمح في السوق المحلي ستشهد ارتفاعات مستمرة خلال الفترة المقبلة على وقع الأزمة الروسية الأوكرانية، ولا سيما أن الدولتين تعتبران من المنتجين والمصدرين الرئيسيين لهذه السلعة، مؤكدين أن اللجوء إلى بدائل استيراد جديدة أو المخزون الاستراتيجي المحلي قد يسهم في كبح الأسعار إلى مستوى معين مقبول للمتعاملين، لكن معادلة السعر الإجمالي لا تتعلق بسعر المادة الخام فقط، إنما سعر نقلها أيضاً، وهو ما يؤثر فيه وصول سعر النفط اليوم إلى 140 دولاراً للبرميل.

20 دولاراً للبوشل

وقال المدير الشريك لشركة تروث للاستشارات الاقتصادية، رضا مسلم، إن الأزمة الروسية الأوكرانية ألقت بظلالها على أسعار السلع الاستراتيجية عالمياً، وخصوصاً النفط والقمح، ولا سيما أن الدولتين تعتبران من أكبر الدولة المنتجة والمصدرة للقمح، ما ينعكس مباشرة على الأسعار، ونتوقع، في حال امتدت الأزمة الحالية لأشهر، أن يصل سعر القمح إلى 20 دولاراً للبوشل (73.4 درهم لكل 27.2 كيلوغرام)، مقابل 12 دولاراً (٤٤ درهماً) أمس الأول.


وتابع مسلم، أن المشكلة ليست في الحصول على القمح فقط الذي ارتفعت أسعاره، وإنما ارتفاع تكاليف النقل أيضاً، فحتى لو كان المنتج متوافراً، فإن تكاليف نقله من أماكن الإنتاج إلى أمكان الاستهلاك ستكون أعلى، ولا سيما أن سعر النفط وصل إلى 140 دولاراً للبرميل.


توقف الموانئ

وأضاف مسلم أن الإمارات تتوقع توقف الموانئ في أوكرانيا، كما أعلنت موانئ دبي العالمية، أمس، وبالتالي فإن الدولة مستعدة، كما عودتنا خلال تجربتها في التعامل مع جائحة كورونا قبل سنتين.

وأكد أن الحل المباشر لمواجهة ارتفاع أسعار القمح يتمثل في أمرين، الأول: البحث عن أسواق بديلة جديدة حول العالم مثل عُمان والهند وكندا وفرنسا وأستراليا، مع العلم بأنه على الرغم من وجود البدائل فإن الأسعار ستظل مرتفعة، وبالتالي تكاليف الاستيراد ستستمر في الارتفاع، والأمر الثاني هو الاعتماد على المخزون الاستراتيجي للدولة بقرار من لجنة الأزمات، الذي يغطي 6 أشهر حالياً لدى منافذ التجزئة، لكن مخزون الدولة قد يكون أعلى.

وأفاد بأن الارتفاع اليوم يشمل سعر المادة الخام، وهي القمح وسعر نقلها وتخزينها، وبالتالي فإن كبح ارتفاع الأسعار في السوق المحلي غير ممكن، وسنشهد ارتفاعات في أسعار جميع المنتجات الغذائية المرتبطة بالقمح خلال الفترة المقبلة، لكن قد تساعد الإجراءات المتخذة في تقليل مستوى الارتفاعات لحد مقبول للمستهلكين، خصوصاً مع اقتراب شهر رمضان ذي الطلب المرتفع ومدى طول الأزمة الجيوسياسية.

وذكر مسلم أن الدول الخليجية ومن ضمنها الإمارات لديها فوائض مالية عالية مقارنة بدول أخرى، ما يمكنها من الحصول على المنتج مهما ارتفع سعره، لكن هذا لا يعني أن التكاليف سترتفع، وسيشهد مؤشر التضخم العام في المجموعة التي تضم القمح ارتفاعاً خلال الفترة المقبلة.

النطاق السعري

إلى ذلك، أفاد رئيس استراتيجية السلع لدى ساكسو بنك أولي هانسن، بأن أسعار السلع الأساسية منذ بدء العمليات العسكرية الروسية في أوكرانيا ارتفعت في العموم مع وجود استثناءات قليلة، الأمر الذي تسبب في تغيير حالة الأسواق من مُجرد القلق من محدودية العرض، وصولاً إلى اختفاء العرض بشكل فعلي.

وأشار إلى أن عُزلة روسيا وصلت إلى مستويات غير مسبوقة مع ما يفرضه عليها المجتمع الدولي من عقوبات، ما يؤدي إلى قطع واحدٍ من أبرز خطوط الإمداد في مجالات الطاقة والمعادن والمحاصيل الزراعية، باعتبار روسيا، وأوكرانيا إلى حد ما، من أضخم موردي المواد الأولية للاقتصاد العالمي.

وقال هانسن «بلغت أسعار القمح أعلى مستوياتها منذ 14 عاماً في بورصة شيكاغو، بينما سجلت عقود قمح باريس عالي البروتين أرقاماً قياسيةً يوميةً بلغت ذروتها الجمعة الماضية مع وصولها إلى 385 يورو لكل طن، مرتفعة بنسبة 30% تقريباً عن ذروتها السابقة قي عام 2008».

وتابع: «تسببت الهجمات على سفن الشحن قرب أوديسا في إغلاق مسار البحر الأسود الذي كانت تمر عبره غالبية صادرات روسيا وأوكرانيا من القمح، البالغة 29% من الإنتاج العالمي، ما يُعد تطوراً بالغ الخطورة من منظور الأمن الغذائي العالمي، نظراً إلى كون القمح والأرز من أهم المحاصيل الغذائية في العالم».

وقال هانسن: «يُعد متوسط النطاق الحقيقي، باستخدام فترة مراجعة مدّتها 14 يوماً، إحدى طرق قياس مستويات التقلب، الأمر الذي يوضح ببساطة نطاق الأسعار اليومي الذي يُمكننا توقعه لأيّ من الأسهم أو السلع، بحيث ترتبط زيادة النطاق طرداً مع ارتفاع مستويات التقلب والغموض».

وأوضح أن استخدام أداة متوسط النطاق الحقيقي يظهر أن النطاق اليومي المتوقع لخام برنت يبلغ 6.5 دولار للبرميل، مقابل 2 دولار للبرميل على مدى الأشهر الماضية، و24 يورو للطن مقابل 6 يورو للطن بالنسبة لقمح باريس.

أسعار المنتجات المحلية

بدوره، قال خبير التجزئة ومدير مكتب البحر للدراسات والاستشارات، إبراهيم البحر، إن أسعار المنتجات المرتبطة بالقمح سترتفع بالضرورة في السوق المحلي، وهذه الارتفاعات بدأت وستستمر خلال الفترة المقبلة، ولا سيما مع الارتفاع الذي يشهده سعر برميل النفط، الذي يرتبط بشكل مباشر في عملية الإنتاج والنقل.

وذكر البحر أن منتجات استراتيجية مرتبطة بالدولتين أوكرانيا وروسيا سترتفع أسعارها خلال الفترة المقبلة، لكن الأمر مرتبط على مدى طول هذه الحرب واستمرارها، لافتاً أن الدولة ستلجأ بالضرورة إلى البدائل المتاحة مثل عُمان والسعودية والهند، لكن قد تكون الأسعار حالياً أعلى من السعر المتداول في السوق، وهنا يجب لفت الانتباه إلى أهمية تطوير المخزون المحلي من المنتجات الرئيسية لمواجهة الأزمات المتوقعة.

وتابع البحر، أن المخزون الاستراتيجي المحلي يصل إلى 6 أشهر عادة، لكن بعد تجارب كورونا والتوترات الجيوسياسية الحالية، يجب رفع المخزون إلى سنة كاملة، ولا سيما أن الدولة تمتلك الإمكانات الكافية للاستثمار في ذلك.

مخاطر التضخم

إلى ذلك، قالت رئيس قسم الأبحاث وكبير الاقتصاديين في بنك الإمارات دبي الوطني خديجة حق، في تقرير نشره البنك على موقعه أمس: «أثرت التطورات في أوكرانيا والعقوبات على روسيا في الأسواق المالية، ما زاد من المخاطر والشكوك التي تواجه الاقتصاد العالمي».

وأشارت إلى أنه على المستوى القريب زادت مخاطر التضخم بشكل كبير، إذ تعتبر روسيا وأوكرانيا مصدرين رئيسيين للسلع الغذائية والصناعية، وقد تعطلت صادراتها بسبب الحرب والعقوبات المفروضة على روسيا.

وأوضحت أن روسيا تمثل نحو 12% من صادرات النفط العالمية، و25% من صادرات الغاز الطبيعي، وفي حين أن الطاقة مستبعدة من العقوبات في الوقت الحالي، فقد انخفض الطلب على صادرات النفط الروسية، إذ يشعر المشترون والمؤسسات المالية بالقلق بشأن التعامل معها، ونتيجة لذلك، ارتفعت أسعار النفط بأكثر من 65% منذ بداية هذا العام، بينما قفزت أسعار القمح بأكثر من 70% منذ منتصف فبراير.