الجمعة - 26 أبريل 2024
الجمعة - 26 أبريل 2024

علماء النفس: "الشهر الكريم" بريء من زيادة الاستهلاك.. ابحث عن "خداع الجوع"

تتباين التحليلات النفسية حول أسباب زيادة الاستهلاك في رمضان، فمن العدوى الشرائية إلى الشعور بالجوع مروراً بمشاعر الوحدة لدى المرأة والتنفيس عن الضغوط والمشكلات، ارتكازاً على أن التسوق جزء من إشباع حاجات لدى الإنسان بصفة عامة، وقد تختلف عادات التسوق باختلاف الفئة العمرية والجنس والظروف الاجتماعية والمادية، وصولاً لتغيرات هائلة أحدثتها الجائحة خلال الموسم الرمضاني الماضي بزيادة التسوق الإلكتروني وخفض معدلات الهوس الشرائي نتيجة الغياب عن التسوق المباشر والانسياق وراء العروض والتخفيضات، وفق نـظريات ودراسات علماء النفس والمختصين.

ويقول يحيى عيسى، الأخصائي بعلم النفس، والمقيم بدبي: إن الكثير من الناس يتفقون على خلق العدوى الشرائية خلال ذلك الشهر مع الشعور بأن المنتجات سوف تنفد من الأسواق، ناصحاً بعدم التسوق خلال فترة النهار لأن الشعور بالجوع يخلق المزيد من الرغبة في الشراء خاصة المأكولات، مشيراً إلى أن التسوق الإلكتروني له مزايا وأبرزها أنه يحجم رغبة المستهلكين بالشراء ويجعلها ضمن الحدود المعقولة، إضافة لتحقيقه إجراءات التباعد الاجتماعي.

وقال الدكتور زكي الترهوني الأخصائي النفسي في السعودية: إن أي أمر غير عادي يعد هوساً، سواء كانت عادة سلبية أم إيجابية، ومن الطبيعي فعل سلوكيات معينة ومنها التسوق والشراء، إلا أنه من غير الطبيعي أن ينفق الناس مبالغ طائلة في شراء أغراض لا حاجة لهم بها، بهدف تجميع أشياء كثيرة، حتى وإن كانت غير متناسقة مع بعضها البعض.

وأوضح أن المقصود بالهوس، هو أن يتم إنفاق كثير من الأموال في شراء أغراض لا حاجة للإنسان بها، لسد نقص في الشخصية حيث يستخدمها البعض كنوع من المظاهر «للبهرجة» في محيط المجتمع في حين أن بعض الأشخاص عندما يصابون بحالة اكتئاب يشترون أغراضاً زائدة عن الحاجة، فتستخدم الشراء كنوع من إشباع حاجة داخلية وذلك لإنقاص شعورهم بالاكتئاب.

الهوس الشرائي

وتابع: هناك علاقة بين الهوس الشرائي والوسواس القهري للنساء حيث تلح بعض الأفكار على الأفراد أثناء التسوق بشكل مبالغ فيها تجعله يقع فريسة هذه الأفكار، لافتاً إلى آن بعض الدراسات أشارت إلى أن الوسواس القهري يحدث نتيجة شعور المرأة بالوحدة، والفراغ، وأن الإدمان على التسوق سببه في الأساس الجوع العاطفي، والرغبة في الانتقام من الرجل الذي ما إن يحس برغبة زوجته أو أخته أو ابنته في الذهاب للتسوق حتى تختنق أنفاسه.

وأضاف الدكتور زكي الترهوني، أن دراسة أخرى عكست المفاهيم وأوضحت بأن الحالة الصحية للنساء لا سيما النفسية تتحسن أثناء تجوال النساء في الأسواق، إذ يجدن فرصة للتنفيس عن الضغوط والمشكلات التي تأتي من خلال علاقاتهن بأزواجهن.

ووجه الترهوني بعض النصائح لتقليل هوس الشراء دون داعٍ، منها ألا نجعل مشكلات الحياة والملل والاكتئاب أسباباً تدفعنا للشراء، وألا نقع في فخ الشراء من أجل التفاخر والتباهي، وتحديد ميزانية شرائك في ضوء الاحتياجات الفعلية، والاهتمام بشراء السلع في وقت التخفيضات، وعدم الشراء عندما يكون الشخص في حالة نفسية سيئة، وكذلك عدم إسناد التسوق لتغطية حاجة الأسرة للمراهقين.

إشباع الحاجة

بدوره، قال الدكتور علاء جراد الأستاذ الجامعي المقيم ببريطانيا والخبير في أساليب التعلم المؤسسي: إن التسوق يعتبر من الأمور التي تشبع حاجات لدى الإنسان بصفة عامة، وقد تختلف عادات التسوق باختلاف الفئة العمرية والجنس والظروف الاجتماعية والمادية.

وأفاد جراد بأن غالبية الرجال لا يميلون للتسوق بصفة عامة وإن احتاج الأمر فيكون التسوق لغرض شراء أغراض محددة وليس كغرض في حد ذاته، والبعض لديه القدرة على كبح جماح رغبته في التسوق حيث لا يشتري إلا ما يحتاج إليه، والبعض الآخر لا يستطيع المقاومة ومن السهل أن يقع في فخ الإعلانات والحملات التسويقية التي تخاطب حاجات نفسية لدى الإنسان، لا سيما أن الحملات التسويقية دائماً ما تستهدف المشاعر وتشجع الآباء بصفة خاصة على إسعاد أبنائهم من خلال شراء السلعة.

وذكر أن ظروف الإغلاق الناتج عن «كوفيد-19» قد زادت من رغبة الناس في الشراء لا سيما عبر الأونلاين وتضاعفت مبيعات المتاجر مثل أمازون وشين وجوم وإيباي فلا وقت يضيع ولا مخاطرة.

مبادرات تقليل الهدر

عززت جائحة كورونا من أهمية الأمن الغذائي وتقليل الهدر والفاقد، فالكثير من المبادرات توجد في الدول العربية كمحاولة لتقليل الهدر، تتصدرها مبادرة بنك الإمارات للطعام، ومشروع «حفظ النعمة»، ومبادرة «وفاء» التي أطلقتها مجموعة دبي للأغذية والمشروبات تحت مظلة غرفة تجارة وصناعة دبي.

وأطلقت وزارة التغير المناخي والبيئة مؤخراً مبادرة «ثلاجة الأسماك» المخصصة لجمع الأسماك المصادرة والتي يتبرع بها الصيادون ومحلات البيع وإعادة توزيعها على الأسر المتعففة بالتعاون مع الهيئات المحلية والجهات المعنية، بخلاف مبادرات فردية أخرى، ومبادرة بنك الطعام المصري وتطبيق «تكية» في مصر، عبر عرض المطاعم والفنادق والمحلات التجارية الطعام الزائد مجاناً للجمعيات الخيرية أو بيعه للمستهلك بسعر منخفض جداً.

وفي الأردن مبادرة «مطبخ العائلة»، لإنقاذ بقايا الطعام وتوزيعه على المحتاجين، وفي السعودية توجد جمعيتا «خيرات» و«إطعام»، وغيرها من المبادرات لحفظ الطعام الزائد عن الاستخدام، وتجمع جمعية «زيرو جائع» في المغرب الطعام الفائض وتوزعه على المحتاجين.

حقائق وأرقام

وجدت دراسة استقصائية أجراها معهد مصدر للعلوم والتكنولوجيا، وشملت 45 فندقاً في الإمارات، أنه يتم تناول 53% فقط من وجبات الإفطار، وتشير تقديرات بنك الإمارات للطعام إلى أن هدر الغذاء يكلّف الاقتصاد الإماراتي ما يصل إلى 13 مليار درهم سنوياً.

وعالمياً 1.3 مليار طن من المواد الغذائية تهدر سنوياً، أي ما يعادل 2.6 تريليون دولار على المستوى العالمي.

وبحسب منظمة «الفاو» فإن منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تصدر 36 مليون طنّ من القمح في السنة، غير أنها تهدر أكثر من 16 مليون طن في السنة.

وبينما المنطقة هي إحدى أكثر مناطق العالم شحاً في المياه غير أنها تهدر نسبة تصل إلى 30% من مواردها الطبيعية وطاقتها الشحيحة إلى جانب الفاقد أو المهدور من الأغذية.

مع أنّ المنطقة هي مستورد صافٍ للأغذية، إلا أنّ الفاقد والمهدور لديها يبلغ 20% من الحبوب و50% من الفاكهة والخضار و16% من اللحوم و27% من الأسماك وثمار البحر، ويبلغ الفاقد من الأغذية والهدر الغذائي سنوياً 1.3 مليار طنّ أو ثلث إجمالي الأغذية المنتجة عالمياً.

نصائح الهدر

ووضعت منظمة الفاو، 15 نصيحة للحفاظ على الطعام وتقليل هدر الغذاء، تضمنت اعتماد نمط غذائي أكثر صحة واستدامة، والحرص على شراء الحاجات اللازمة والضرورية فقط من الغذاء، وكذلك عدم الحكم على الغذاء من خلال مظهره لأن كثيراً ما ترمى الفاكهة والخضراوات ذات الشكل غير السوي، في حين أنها بذات طعم الأخرى ذات الطعم الجذاب.

ونصحت «الفاو»، بتخزين الأغذية بحكمة، وإجادة قراءة المعلومات على عبوات الأغذية، والبدء باستهلاك كميات أصغر، وعدم الاستغناء عن الفضلات، وبدلاً من التخلص من فضلات الطعام يمكن تحويلها إلى سماد عضوي، وطالبت باحترام الطعام، ودعم منتجي الأغذية المحليين، والحفاظ على وفرة الأسماك، واستخدام كميات أقل من الماء، والحفاظ على نظافة التربة والمياه، وتناول المزيد من البقول والخضار، ومشاركة الغذاء مع الآخرين.

واحتفل العالم في 29 سبتمبر 2020، للمرة الأولى باليوم الدولي للتوعية بالفاقد والمهدر من الأغذية وسط انتشار جائحة كوفيد-19 العالمية، التي نبّهت إلى ضرورة تحويل أسلوب البشر في إنتاج واستهلاك الأغذية وإعادة التوازن إليه، إذ يمثل تخفيف الهدر وتحسين التغذية واعتماد نمط عيش مستدام السبيل إلى بناء عالم خالٍ من الجوع.

وتقول «الفاو»: بوسع التغييرات الطفيفة في عاداتنا اليومية ممارسة تأثير هائل على مستوى العالم. إذن بادِروا إلى اتخاذ الإجراءات المطلوبة. وضعوا حداً لفقد الأغذية وهدرها، لخير الناس ولخير الكوكب بأسره.