الاحد - 05 مايو 2024
الاحد - 05 مايو 2024

الحب أثمن رصيد في مؤسسة العائلة

مثلما يرث الأبناء الصفات الشكلية من آبائهم، فإنهم يرثون طباعهم وسلوكياتهم أيضاً، إذ يؤكد علماء النفس إمكانية وراثة الأبناء الهوايات عن آبائهم، كالرسم، وجمع الأنتيك والطوابع، وحب السفر والإطلاع.. إلخ، ويمكن أن تكون على النقيض تماماً، كأن يرث الابن طباعاً من أبويه أو أحدهما، كالقسوة، والأنانية، والبخل، والتدخين.

وبالرغم من تأثير الجينات الوراثية في انتقال الكثير من الصفات الوراثية السلوكية من الوالدين لأبنائهما، إلاّ أن علماء النفس يؤكدون أن البيئة والتربية يلعبان دوراً مباشراً وموازياً في توريث الأبناء الكثير من طباعهم وسلوكياتهم وميولهم واكتساب العديد من عاداتهم السيئة.

وأسوأ تركة يمكن أن يورثها الوالدان لأبنائهم، من وجهة نظري، طباع وسلوكيات سلبية ألِفوها منذ نعومة أظفارهم سواء من طريقة تعاملهم مع بعضهم أو مع الآخرين أو من خلال ممارساتهم اليومية.


فعلماء النفس يؤكدون أن التربية والبيئة التي ينشأ فيها الأبناء قادرة على تقويم أي طفرة جينية سلوكية سيئة قد تنتقل للابن من جهة الأبوين، كالجد مثلاً، فالبيئة الصحية الحاضنة للأبناء وعلاقة الأبوين المتزنة ببعضهما كفيلة بتقويض قوة تأثير العامل الجيني في اكتساب الأبناء لبعض السلوكيات والطباع السيئة.


أكثر ما يؤلمني، حينما أجد أُسراً عاجزة عن التواصل فيما بينها، وكل فرد منها يلقي باللوم على الآخر في إحداث هذا الخلل، فتكبر الفجوة فيما بينهم، ويكبر جدار القطيعة بسبب ذلك الإرث الذي حملوه في صدروهم وعقولهم عن آبائهم، الذين لم يفلحوا سوى في تغذية طباعهم، ليتناقلها الأبناء ويمارسوها ضد بعضهم، وربما بصورة أبشع وأكثر قسوة.

قد لا يدرك بعض الآباء والأمهات فداحة ما يقترفونه بحق أبنائهم إلاّ حينما يكبرون ويرون «حصادهم المر» على مرأى عيونهم، وخاصة حينما تسقط لغة الحوار وتتهاوى أبسط أبجدياتها ويستخدم كلٌّ منهما «وسائله» التي اعتاد عليها في حل مشاكله مع شريكه أو مع الآخرين، ولا يعلمون بأن أبناءهم يلقطون كل ما يجري على ألسنتهم ويلتقطون كل سقطاتهم وهفواتهم وحتى طريقة تعاملهم وكل أدبياتهم وعاداتهم وسلوكياتهم، فكلما كبر الأبناء يزدادون شبهاً بآبائهم صفات وسلوكاً وطباعاً.

في مؤسسة العائلة، لا يوجد ما هو أثمن وأقوى من الحب في تنشئة الأبناء، ولا يوجد ما يمكن أن يغنيهم ويغذيهم كالتنشئة والتربية المبنية على الحب والاحترام وحب العائلة وحب الآخرين، فهو الإرث والرصيد والحصن المنيع والسلسلة التي يمكن أن تربط الأبناء ببعضهم بعضاً أكثر من أي شيء آخر في الحياة، فما قيمة المال إن كان الأخوة كلا في جهة؛ يتقاضون عليه في أروقة المحاكم ويناصبون بعضهم العداء، ويلقمون أبناءهم الحقد والضغينة والقصص البالية التي تنمّي فيهم نزعة الكراهية التي ربما تطاردهم من جيل إلى جيل وقد يبقون عالقين في متاهتها!

[email protected]