الاثنين - 06 مايو 2024
الاثنين - 06 مايو 2024

تونس .. تشتتٌ في خدمة «النهضة»

المشهد التونسي الموسوم بالانسداد السياسي وبتفاقم الأزمة الاقتصادية يسير في صالح حركة النهضة خلال الانتخابات الرئاسية والتشريعية المقبلة، وليس ذلك لقوتها أو لوضوح برامجها، وإنما بسبب ترهل المشاريع السياسية المدنية، التي يفترض أن تقدم البدائل الأقرب إلى تطلعات الشعب وأن توفر أداء يغطي الثغرات التي تتسلل النهضة من خلالها، وهو ما جعل حركة النهضة تتقدمُ حيث يتأخر خصومها.

المفارقة التونسية تكمن في أن فئات واسعة من الشعب التونسي أيقنت أن حركة النهضة غير قادرة على تقديم علاجات ناجعة للأمراض التونسية المزمنة، إلا أن يقين الشعب لم يترجم إلى تقدم القوى التي تؤمن بمدنية الدولة وبالخطاب الحداثي.

في تفاصيل العجز السياسي عن التصدي للنهضة، أكثر من مفصل، فحزب «نداء تونس» الذي تشكل على أساس «دعوة القوى السياسية التي تأبى التطرف لتجميع طاقاتها حول بديل يعزز التوازن السياسي»، يعيش تصدعات كبيرة أدّت به إلى الانقسام، ثم إلى نشوء أحزاب عديدة من صلبه؛ «مشروع تونس» لمحسن مرزوق ثم «تحيا تونس» الذي أعلن رئيس الحكومة يوسف الشاهد الشروع في تشكيله.


الجبهة الشعبية - الائتلاف اليساري المشكل من أحزاب كثيرة - تعيش أزمتها المخصوصة، ظلت وفية ليساريتها، وبقية الأحزاب الوسطية تواظبُ على التلعثم في مواقفها وتسقط في اختبارات الهوية أو المسائل الحقوقية ذات العلاقة بالملمح الديني القريب من وجدان الشعب التونسي.


وفي ظل «اتفاق» الأحزاب الوسطية التونسية على إعادة إنتاج الفشل، نجت النهضة من اختبارات مريرة، تفلّتت من اختبار دستور 2014 بما أفرزه من أسئلة تخص علاقة الدستور بالشريعة، وراوغت في مسائل المساواة في الميراث، وانزوت حين أثير الجدل الدعوي والسياسي داخلها، وانكفأت حين طرحت مسألة جهازها السري، وفي كل المحطات كانت تتبرأ من الفشل وتعلق استتباعات حكمها على الآخرين، وفي كل هذه المراحل كانت فئات واسعة من الشعب التونسي تنتظر انبثاق بديل سياسي يوقد شمعة البدائل ولا يكتفي بلعن ظلام النهضة، لكن ذلك لم يحصل، وكان كل تأخر يساوي طوق نجاة جديداً للنهضة.

النهضة لم تقدّم ما يقيم الدليل على أنها حزب مدني حقيقي، وما زالت تراوح خطابها المزدوج؛ تقول لقواعدها إنها حركة وفية لثوابتها الإسلامية، وتقول للخصوم وللخارج إنها حزب مدني قطع مع مرجعيته الدينية، مع ذلك تتقدم إلى الانتخابات المقبلة واثقة الخطى، وهي تتهيأ لضرب خصومها حيث تراخوا.