الاثنين - 06 مايو 2024
الاثنين - 06 مايو 2024

الكتابة.. ونَحْت الجبال

الكتابة أصعبُ مِنْ حَمْل الأثْقَالِ ونَحْتِ الجِبال وهذا يَضعني أمامَ امتحان صعب عندما اتَّصَلَ بي الإخوةُ في جريدة الرؤية يطلبون مِنِّي كتابة مقال أسبوعي في صفحاتها، اعتراني شعورٌ مُزدوِج؛ شعورٌ بالسرور وشعور بالخوف في آنٍ واحد. فأمَّا مَبْعَثُ الشعور الأوَّل فهو أنَّ هذا الطَّلَبَ تشريفٌ لي. فكلَّ كاتب يَتَمنَّى أن يكتبَ في هذه الجريدة المرموقة. وأمَّا الشعورُ بالخوف فنَاشئٌ مِنْ أمرين، هما:

الأول: أنَّ الكتابة ليست بالأمر السهل، كما يَظُنُّ بعضُنا، لا سِيَّما في حَيِّز 300 كلمة. بلْ هي – لعمري – أصعبُ مِنْ حَمْل الأثْقَالِ ونَحْتِ الجِبال. وهذا يَضعني أمامَ امتحان صعب.

وثاني الأَمْرَين هو: أنَّ ذلك سيجعلني في مواجهة القارئ وأنَا أخافُه. فالقارئُ بالنسبة إليَّ أهمُّ من الكاتب، بلْ إنَّ هذا الأخير – في نَظَرِي – لم يُوجَدْ إلا لخدمة الأوَّل. لذلك أسمح لنفسي بأنْ أصِفَ كاتبًا بأنَّه غيرُ جَيِّد، ولا يُمكِنُني وصفُ القارئ بذلك. والقارئُ مع هذا يُكَمِّل الكاتِبَ؛ فهو يَتَلَقَّى كِتاباتِه، حتَّى لو كانت رَدِيئةً، فيَخلُقُها خَلْقًا آخَرَ بذَوْقِه ونَقْده.


لكنْ عَنْ أيِّ قارئٍ أوْ كاتبٍ أتحدَّثُ؟ إنَّ الكاتب الذي أعنيه والذي أحترمه هو الذي يكتب شيئًا يُفيد التقدُّمَ البشري، سواءٌ في جانبه الروحي أو المادي؛ وليس الذي يُسِيلُ الحِبْرَ ويَملَأُ الوَرَقَ بالحُروف والجُمَل بغير طائل. والقارئُ الذي يَسْتَحِقُّ هذه الصِّفَةَ والذي أُجِلُّه وأخافُه هو الذي يَفْهَمُ ما يَقرَأُ ويَسْتَوْعِبُه ويَسْتَفيدُ منه ويُفِيد به المجتمع، وليس الذي يقرأ للـمُتْعَةِ وتَزْجِيَةِ الوقت، أو الذي يقرأ مُقرَّرات إجبارية لخوض امتحانات أو غير ذلك من القضايا النفعية الآنية. إنَّه القارئُ الذي يقرأ في أوقات فَراغه، وباختياره، لأجل أن يُطَوِّرَ مَعارفَه ومَواهبَه وفكرَه ورؤيتَه للعالَم مِنْ حَوله. فهذا هو القارئ الحقيقي.


غير أن هذا النوعَ من القُرَّاء قليلٌ في وطننا العربي. بَلِ الحقُّ أنَّ العربَ مُتَّهمون لدى كثير من الهيئات الدولية والمراكز المتخصِّصة في العلم والمعرفة والثقافة (كاليونِسكو مثلاً) بأنَّهم أقَلُّ الأُمَم اهتمامًا بالقراءة. نعم، قد تكون في ذلك مبالغةٌ، لكنَّه يحمل نسبةً كبيرة من الحقيقة الْـمُرَّة التي يَجِبُ الاعترافُ بها والسعيُ لتغيِيرها.

هذا تَحَدٍّ كبيرٌ يُمَثِّل عُنْوانًا لمشروعٍ رائدٍ يُنَفَّذُ الآنَ في دولة الإمارات العربية المتحدة (هو مشروع تَحَدِّي القراءة العربي)، لكنَّ الفَجوة المعرفية بيننا وبين الدول المتقدمة عميقة جِدّاً وتحتاج إلى جهود عربية أكثر جِدِّيَّة.