الاثنين - 06 مايو 2024
الاثنين - 06 مايو 2024

العالم قبل منتصف الليل بقليل

كانت الصواريخ قصيرة المدى، ومتوسطة المدى، وبعيدة المدى.. الآن بعض الصواريخ بلا مدى، وكانت الصواريخ تنطلق في مسارها الذي يمكن رصدُه والتعامل معه.. الآن بعض الصواريخ بلا مسار، كما كان قادة الطائرات والغواصات والدبابات، هم نجوم المعارك، وهم من يقرِّرون ويُناورون ويدمّرون.. الآن طائرات من دون طيار، وغواصات من دون قيادة، ودبابات ذاتية الحركة.

كان المشاة هم الحرب، هم من يحرِّرون أو يحتلّون، هم من يجري تدريبهم على الكفاءة والشجاعة، على كيفية كسْر الجغرافيا وطي المكان.. الآن جنودٌ آليّون، ومقاتلون من صفيح لا يشعرون ولا ينزفون.

لطالما كان العالم خطيرًا، لكنّه لم يكن أكثر خطرًا مما هو الآن، ولطالما كانت احتمالات حروب كبرى قائمة، لكنّها لم تكن أكثر احتمالًا ممّا هي الآن.. لقد اندفعْت السياسة الدولية كثيرًا خارج المنطقة الخضراء لكنها تقف اليوم عند حافّة الهاوية.


في الأزمة الكورية تحدّثت واشنطن كما تحدثت بيونغ يانغ عن استخدام السلاح النووي، وفي أزمة الصواريخ الأمريكية في أوروبا، تحدّثت موسكو كما تحدثت واشنطن عن إمكانية الوصول إلى النهاية بعد أن ضاقَ الخيار.


باتتْ الدراسات الاستراتيجية تتحدّث عن تجارب صاروخية لقصف الأقمار الصناعية، وعن مناوراتٍ تحت المحيطات لقطع الكابلات البحرية.. فلا إعلام ولا اتصال، ولا شبكةً دولية للمعلومات.. أن يعود العالم إلى المستوى التكنولوجي أثناء الحرب العالمية الأولى.

لقد كان طبيعياً أن يقوم العلماء الذين أسَّسوا ساعة رمزية ليوم القيامة بتقديم تلك الساعة.. إنّهم يُقدّرون أن وصول عقارب الساعة إلى الثانية عشرة هو نقطة الصفر في الحرب العالمية الثالثة.. والأخيرة. ولقد كان أصحاب الساعة في قلق عظيم حين جرت تجارب القنابل الهيدروجينية، وحين اشتدت أزمة خليج الخنازير في كوبا، واليوم فإنها تبدي قلقًا أشدّ من أي وقتٍ مضى.

لم يبقَ الكثيرُ أمام العالم قبل أن ينتصف ليل الوجود.. إنها الثانية عشرة إلا قليلًا. يا لهُ من عالمٍ بائس.. إن البشريّة تمضي إلى أفضل مراحل التاريخ.. تقدمٌ هائل في الطب والحياة.. تواجدٌ بعيد على سطح المريخ وفي الجانب المظلم من القمر.. ذكاء اصطناعي وطابعات ثلاثية الأبعاد.. وملامح ثورةٍ صناعيّة رابعة.. ميكروسكوب رباعي الأبعاد يتجوّل داخل الخلية، وتليسكوب خارق القدرات يحاول الاتصال بكائناتٍ فضائية.

هل يمكن للحماقة أن تنهي هذا الكوكب الرائع.. هل يمكن لمعادلة الصراع أن تمضي إلى العدميّة.. وأن تسارع الخطى نحو منتصف الليل؟

إذا ما وصلت ساعة يوم القيامة إلى غايتها.. فلنْ يوجد أحدٌ ليروي ماذا حدث؟.. لن يكون هناك تاريخٌ ولا مؤرخون.. سيكون كوكبنا هو «المريخ الجديد».. كوكب العدم. إن سبعة مليارات إنسان يصرخون وينادون بحتميّة امتلاك العقل والتزام الحكمة.. من المفزع للغاية أنه قد يكون «النداء الأخير».