الاحد - 19 مايو 2024
الاحد - 19 مايو 2024

لماذا يخسر العرب الحرب دائماً؟!

طبيعة الحرب تبقى رمزية لها شيفرة خاصة تحكم علاقة الأفراد بالأرض والمجتمع والدولةإذا كان النموذج الغربي للحرب يرتبط أساساً بالقيم الديمقراطية التي تمكنه من فرض قوتها العسكرية، فهل هذا يعني أن الهزائم العربية في الحروب ناتجة عن فشلها في تبني هذا القيم وممارستها؟

استئناساً بأطروحة الأنثوبولوجي «مارسيل موس» التي يؤكد فيها على أن الحرب «واقعة اجتماعية شاملة» بامتياز٠ ويعني بها تلك النظم الثقافية العميقة التي تحكم تمثلات الأفراد للحرب والسلم، نرى أن طبيعة الحرب تبقى رمزية لها شفرتها الخاصة تحكم علاقة الأفراد بالأرض والمجتمع والدولة.

لقد تم تجديد هذه المقاربة من طرف المؤرخ الأمريكي فيكتور دافيس هانس، وهو مختص في أثينا القديمة بتحليله لظاهرة الحرب « كعارض سياسي» بتحليل الحروب الكبرى في آثينا التي صنعت أوروبا في رأيه وذلك، بطرح السؤال على عكس ما طرحناه أعلاه،: لماذا يربح الغرب دائماً الحروب؟


إن الحرب حسب هانسون هي أصلاً تثبيت للقيم الاقتصادية والاجتماعية والسياسية٠ إنها، في نظره، اختبار للمستوى الحضاري للدول المتحاربة٠ فالجيش المتوجه إلى الحرب هو عبارة عن مدينة متحركة، عن نظام سياسي يمتحن قدرته على البقاء والاستمرارية٠


لقد كان الغرب، حسب هانسون، منذ «المدينة الأثينية» وفِي أنظمته السلطوية يحافظ دائماً على هامش للحرية والتوافق والتشارك وتحرير المبادرات، هنا يكمن سر القوة العسكرية الغربية، انتعشت من خلالها الديمقراطية وأصبح لها معنى أكثر عمقاً وشمولاً، وبذلك، تطورت فكرة «الجيش الوطني» التي تعني أن الانتصار في الحرب لا يتحقق إلا بجيش مشبع بروح المواطنة، وهي قيم مستمدة من تقاليد «الجندية الأثينية»، التي تعني أن الجندي مواطن بالدرجة الأولى قبل أن يكون محارباً، فلم تكن الحرب مسألة شرف أو نتيجة نزوات ذاتية ولكنها دفاع عن الحرية ومساواة أفراد المدينة - الدولة.

يؤكد هانس على أن الجيش الذي ترسخت لديه هذه الاقتناعات يعبر في العمق عن منظومة قيم مجتمعية وسياسية متجانسة لها هدف تحقيق سيادة الدولة والمجتمع عبر علاقة تكاملية.

لم تكن توجد هذه القيم في جيش الإمبراطورية العثمانية، لأنه كان مكوناً من العبيد الذين لا يحق لهم الولاء إلا للسلطان فقط، وكذا الأمر فِي كثير من الدويلات التي تلت انهيار هذه الإمبراطورية في البلاد العربية٠ فظهور ما يسمى بالجيش الوطني فيما بعد في هذه الدول، لم يكن عموماً إلا وسيلة للترقي الاجتماعي والسياسي للنخب المسيطرة التي كانت لا تحسن إلا الانقلابات بدون العمل لترسيخ المبادئ الوطنية وتوطيد أسس الثقة ما بين الدولة والمجتمع٠ وهذا ما تفسره الهزائم العربية الكثيرة والمتتالية.

لم تكن هذه الهزائم بسب قصور ذاتي في الجيوش العربية، ولكن نتيجة فقدان هذه الجيوش لإحساس الانتماء لقضايا وطنية كبرى هم جزء فيها .. أليست هذه الهزائم المتتالية سبباً في انتعاش الإسلام السياسي وغلوه، وذريعة لشرعنة الدعوة إليه؟.