الاثنين - 06 مايو 2024
الاثنين - 06 مايو 2024

حديث «الإجلاء» وواجب التمهل

روى الإمام مسلم ـ رحمه الله ـ في كتابه المسمى (الجامع الصحيح)، حديث رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم: «لَأُخْرِجَنَّ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى مِنْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ»، وفي رواية أخرى: «أَخْرِجُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى مِنْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ»، ولا يمكن لغير المتخصص والمتمهل، فهم النص، في ضوء التعايش السلمي، الذي يطالب به العقلاء، بين المسلمين والناس جميعاً.

الحديث المذكور، ورد في ظروفٍ مخصوصة، ووفق ضوابط محددة، استوعبها العلماء المحققون، مؤكدين على أن المراد من جزيرة العرب، بعض الجزيرة لا كلها، وهو الحجاز خاصةً؛ واستدلوا على كلامهم هذا بجملة من الأدلة المشهورة، ومنها على سبيل المثال، لا الحصر، إجلاء سيدنا عمر بن الخطاب ـ رضي الله تعالى عنه ـ ليهود خيبر، وفَدَك، وعدم إخراجه أهل تَيماء بالرغم من أنها من جزيرة العرب؛ كما نقله الإمام النووي ـ رحمه الله ـ في كتاب «منهاج الطالبين وعمدة المفتين»، وذكر أن الإمام الشافعي، صاحب المذهب الشهير ـ رحمه الله ـ «خصَّ هذا الحكم ببعض جزيرة العرب وهو الحجاز، وهو عنده: مكة المكرمة، والمدينة المنورة، واليمامة وأعمالها، دون اليمن وغيره، مما هو من جزيرة العرب»>

وقال الشيخ ابن قدامة المقدسي ـ رحمه الله ـ في كتاب «المُغني»: [قال الإمام أحمد ـ رحمه الله ـ : (جزيرة العرب: المدينة المنورة، وما والاها)؛ يعني: أن الممنوع.. المدينة المنورة وما والاها، وهو مكة المكرمة، واليمامة، وخَيْبَر، والْيَنْبُع، وفَدَك وَمَخَالِيفها، وما والاها..»


عدد غير بسيط من الناس يعوزهم الفهم الصحيح لحديث الإجلاء، ويحتجون به في كلامهم، ويستدلون به في كتاباتهم، ولا يحل هذا التقصير ويجليه، إلا أن نعلم ونقتنع أن آراء السادة الفقهاء ـ رحمهم الله ـ في هذا الأمر، جاءت على السَّعة، فالجمهور منهم ساروا على المنع المحدد بما ذكر من أماكن، وذهب السادة الأحناف ـ رحمهم الله ـ إلى أن المنع خاص بالمسجد الحرام، بينما أجاز الإمام مالك ـ رحمه الله ـ دخولهم الحرم للأعمال التجارية، وهذا يؤكد أن لغير المسلمين السكن في أي مكان من جزيرة العرب، إلا الحجاز فليس لهم للحاجة؛ إلا أطرافه المذكورة، ويكون دخولهم ليس على سبيل الإقامة الدائمة.