الاحد - 05 مايو 2024
الاحد - 05 مايو 2024

أمثلة التعايش لا تنتهي

لا يفتأ العارف بقيمة احترام أهل الأديان، عن ذكر بعض الأحاديث النبوية الشريفة الدالة على ذلك، ومنها الحديث الصحيح المروي عن سيدنا أنس بن مالك ـ رضي الله تعالى عنه ـ أنه قال: كان غلام يهودي يخدم النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فمرض فأتاه النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يعوده فقعد عند رأسه، فقال له: أسلم، فنظر إلى أبيه وهو عنده، فقال له: أطع أبا القاسم، فأسلم فخرج النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وهو يقول: الحمد لله الذي أنقذه من النار؛ ومنها ما روي عن سيدنا جابر بن عبد الله ـ رضي الله تعالى عنهما ـ أنه قال: مرَّ بنا جنازة فقام لها رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقمنا به، فقلنا: يا رسول الله إنها جنازة يهودي، قال:«إذا رأيتم الجنازة فقوموا»؛ ومنها حديث سيدنا أبي حميد الساعدي ـ رضي الله تعالى عنه ـ أنه قال: «غزونا مع رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ غزوة تبوك، وأهدى ملك (أيلة)، للنبي صلى الله عليه وسلم بغلة بيضاء وكساه بُرْدًا..»..
النصوص المذكورة أعلاه ليست هي كل شيء عن التعامل، الذي كان بين المسلمين وبين غيرهم؛ فهناك ـ مثلاً ـ الحث على الوفاء بعهدهم، وتجويز التصدق عليهم، وعدم ممانعة تمكينهم من دخول مساجد الله ـ سبحانه وتعالى ـ وغير ذلك من الأحكام الفقهية المتعلقة بالبيوع والإيجارات والشركات؛ وكلها دالة على إقامة التعايش اللازم بين البشر..
في تاريخنا مجموعة سوابق تدل على التعايش بين غير المسلمين في مجتمع المسلمين، وعلى التعايش بين المسلمين في مجتمع غير مجتمعهم، ولعل أبرز دليل على ذلك، أنه لما نزل الوحي على سيدنا محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ، وأُمر بالدعوة لدين الإسلام، وتبليغ آيات القرآن الكريم، لم يخرج من مكة المكرمة، ولم يأذن له من أرسله ـ سبحانه وتعالى ـ بذلك، وكذلك لم يؤذن لأي من صحابته الكرام ـ رضي الله تعالى عنهم أجمعين ـ بالخروج حتى تعرضوا لما تعرضوا له، وبقوا بمكة المكرمة، ولم يقطعوا الصلات مع أهلهم وأهلها.