الاثنين - 29 أبريل 2024
الاثنين - 29 أبريل 2024

السترات الصفراء.. عنف اجتماعي بأهداف سياسية

منذ نحو خمسة أشهر تستقطب العاصمة الفرنسية باريس الأضواء العالمية بسبب أعمال العنف والشغب وإتلاف الممتلكات الخاصة والعامة، التي ترتكبها مجموعة عنيفة من الملثمين بثياب سوداء، تندسُّ داخل حركة السترات الصفراء، ففي جادة الشانزليزيه، كما في قلب بعض المدن الفرنسية، تُصدِّر فرنسا للعالم مشاهد احتجاجات صاخبة وتدمير وخراب، وكأن البلد على أبواب حرب أهليّة.

لقد عانت الحكومة الفرنسية الأمَرين لمعالجة هذه الظاهرة ووضعت الرئيس الفرنسية إيمانويل ماكرون وتشكيلته الحكومية في إحراج غير مسبوق، وكان جوابهما على مستويين: سياسي وأمني، تمثّل السياسي في انطلاق حوار وطني تأمل من خلال القيادة الفرنسية امتصاص الغضب ومنح منفذ للتنفس، ويبدو أن هذا الهدف لم يتحقق، أما الحل الأمني فقد تبلور في صياغة مقاربة لإدارة هذه الأزمة، تبيَّن بعد ذلك أنها فشلت في منع هذه المجموعات المتطرفة من ارتكاب أعمال عنف وتخريب.. وكان من بين عواقب هذه الأزمة وضع وزير الداخلية كريستوف كاستنر على المحك، إذ تمَّ استجوابه من طرف لجنة في مجلس الشيوخ، وطالبت المعارضة بصوت قوي باستقالته.

السترات الصفراء.. حركة احتجاجية اجتماعية خرجت إلى الشارع في بداية المشوار للتعبير عن رفضها للعبء الضريبي الذي أثقل كاهل الطبقات الفقيرة والمتوسطة، وتحولت مع مرور الأيام إلى حركة غاضبة ذات مطالب سياسية محضة، وهي الآن تريد أن تفرض على الحكومة تغييرات مؤسساتية كاللجوء إلى الاستفتاء الشعبي لاستشارة المواطن في مختلف القضايا اليومية، أو المطالبة بتنظيم انتخابات مبكرة أو استقالة رئيس الجمهورية.


ويعود تسييس هذه الحركة، وتبنيها لمواقف راديكالية إلى استيلاء بعض القوى المتطرفة المتعاطفة مع اليمين، وأيضاً من اليسار المتطرف الذي لم يتقبل هزيمته في الانتخابات الرئاسية الماضية، وقد اتهمت الحكومة قيادة أحزاب التجمع الوطني بزعامة مارين لوبن، وحزب فرنسا الأبية بقيادة جان لوك ملونشون، بصب الزيت على النار، وتجييش الغضب الاجتماعي بهدف إضعاف ماكرون والتعجيل بالعودة إلى صناديق الاقتراع.


من حركة سلمية ذات مطالب اجتماعية محضة تحولت حركة السترات الصفراء مع مرور الأسابيع إلى حركة في بعض الأحيان عنيفة بصبغة سياسية، تشبه الحركات الفوضوية التي لطالما تأقلمت مع التاريخ الأوروبي، الذي تميز بفترات عنف اجتماعي صاخب.. فكيف للرئيس ماكرون أن يطفئ لهيب هذا الغضب العارم؟