السبت - 04 مايو 2024
السبت - 04 مايو 2024

سِحر المطر .. ودفء المشاعر

نحن مشغولون دائماً وإن لم نكن، موجودين في نفس المربع الذي يجمعنا بأهلنا وأصدقائنا وأحبتنا، ولكننا في ذات الوقت بعيدون جداً عنهم؛ متوارون خلف عباءة الأعذار الجاهزة؛ حتى ما عدنا نخجل من تكرار ذات الأعذار التي أصبحت تُعريّ كذبنا والتفافنا على حقيقة مشاعرنا وحقيقة واقعنا المنغمسين فيه، الذي يكشف هشاشة علاقتنا بالآخر وبأغلب الأشياء!.
سرقتنا الحياة الجديدة واستطاعت أن تفرض شروطها علينا، وأصبحنا خاضعين لها؛ إلى الحد الذي استطاعت أن «تُمَيْكن» فيه مشاعرنا وردود أفعالنا، فأصبحنا نستسهل النسخ والمُعاد والتدوير في التعبير، فوسائلنا العتيدة الإلكترونية لم تفلح سوى في تكريس حالة «تبلد المشاعر» وتثبيط حساسيتنا تجاه أنبل وأعمق العلاقات التي تربطنا بالآخرين؛ ندور كالماء في السواقي حول أنفسنا ولا نلتقي!، حتى أيقنا بأن ما عاد لنا ظل ولا متكأ ولا مقام يذكرنا به أحدهم بعد الغياب.
وحده المطر، استطاع أن يشق غلالة خذلاني، أن يسدْ فُرَج القلوب ويكسر أقفالها ويستنهضها من سباتها ولا مبالاتها، أن يملأ أفواهنا بملح الذكريات مع أول نفّة مطر، هكذا .. التقطَنا من فوضانا وأعادنا إلينا، وكأنه نفخ في صدورنا نفخة الارتواء، فتهاوت كل الخراسانات والألواح المعدنية فيها، واعشوشبت محلها قلوبنا بالأحاديث الطرية. وتفتقت قرائحنا بالحنين وتوقدت جذوة الحكايات الغائبة واعتلى وميضها الرؤوس، وصرنا نتخاطف أسرارها ونستحضر أسماء ووجوهاً ومواقف حضر فيهما الفرح والدمع معاً؛ تسربت لزوايا مجلسنا البارد طيات طيات من دفء المشاعر المستلة من رحم الذاكرة التي أوقظها المطر، رفرفرت قلوبنا عالياً بالضحك وانتشت كحمامات وادعة للتو أطلق سراحها؛ فأيّ سحر هذا الذي يحدثه فينا المطر؟!